يعد الإمام جمال الدين عبد الرحمن البنا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل والدهشة في العالم العربي والإسلامي، ليس بسبب خلفيته العائلية، التي ترتبط بأول الجماعات الإسلامية التي دخلت حلبة السياسة، متسلحة بالدين، بل بسبب آراءه التي فتحت عليه النار من كل الجوانب، بدءً من اتهامه بالعمالة وصولاً إلى طلب رجمه. ولد «البنا» في 15 ديسمبر 1920، في محافظة البحيرة، لأسرة شملت ستة من الأخوة، والتي ترعرعت على دراسة أصول الدين، فهو الشقيق الأصغر للراحل حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمون إلا أنه يختلف معه فكريًا، ووالده هو الإمام «أحمد جمال الدين عبد الرحمن البنا»، عائلة جمعت في رحمها شقيقين لكل منهما منهج وتصور مختلف للنهضة والإصلاح الديني والسياسي. عمل «البنا» محاضرًا في الجامعة العمالية والمعاهد المتخصصة منذ سنة 1963م، وحتى سنة 1993م. كما عمل خبيراً بمنظمة العمل العربية. كان ضعيفاً يسير بخطى متثاقلة، ولم يكن يستطيع أن يلعب، وكان المتنفس الوحيد له هو القراءة، ولم يكن مثل شقيقه يتمتع ب«كاريزما الداعية»، انكب على الكتابة والتأليف، مردداً آنذاك : «أنا كاتب، ومن أراد أن يعرفني فعليه أن يقرأ كتبي». عاش وحيداً منذ رحيل زوجته عن الحياة عام 1987 ولم ينجب أولاداً، وزادت وحدته بعد رحيل أخته فوزية التي كانت من المقربين إلى قلبه فأسس «مؤسسة فوزية وجمال البنا للثقافة والإعلام الإسلامي»، وكان يمتلك مكتبة تضم 15 ألف كتاب عربي، و3 آلاف كتاب إنجليزي وبها قسم للدوريات يضم 150 مجلة، وبعض المجموعات القديمة لصحف الإخوان المسلمين من سنة 1936. نشأ «جمال» محباً للحرية، كارهاً للكهنوت، متعدد المواهب، مجدداً في الفكر والخطاب الديني، صاحب فكر خصب، دارساً للأدب والشعر وعلم النفس والحركة الاشتراكية والنقابية العمالية، معجباً بالحركات النسائية العالمية. تعرض للاعتقال عام 1948، عقب قرار حل الجماعة له عدد من الفتاوى الصادمة ك«الحجاب غير الشرعي» و«الزواج صحيح دون شهود". ول «البنا» العديد من الآراء الفقهية التي يعتبرها بعض العلماء مخالفة؛ فهو يرى أن المرأة أحق بالإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن كما يرى أن الحجاب ليس فرضاً على المرأة، موضحا أن شعر المرأة ليس عورة ولا يوجد أبداً في الكتاب والسنة ما يقول ذلك، مدللا بحديث في صحيح البخاري بأن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون في عهد الرسول "ص"، من حوض واحد في وقت واحد، فكيف إذن تتوضأ المرأة وهي مقنعة مرتدية ذلك اللباس الذي يجعلها شبحاً أسود، كما يذكر بأنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته منفردا، وذلك كونه تزوج منها بصفة رضائية وبالتالي يتوجب الطلاق رضا الطرفين واتفاقهما لكي يتم الانفصال، وتفضيل العمل على الصلاة عندما كان الشيخ عبد البديع صقر، ينادى على الصلاة، كان جمال يقول له «دعني فإن العمل عبادة»، محللا زواج المتعة. ويؤمن "البنا" بفشل كل محاولات إقامة دولة إسلامية في العصر الحديث، ضارباً المثل بحكم «الترابي» الذى تربى في حضن الإخوان، وهو الذى أدى إلى انقسام السودان فارتكب أكبر جريمة في حق السودان دون أن يحقق الهدف وهو تطبيق الشريعة. ورحل "البنا" عن عالمنا في الثلاثون من يناير 2013، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين بعد رحلة مرض ليست بالقصيرة.