تم تسريح هتلر من الجيش فى مارس 1920، فبدأ مدعومًا بالتشجيع المستمر من أعضاء حزبه النازى.. وفى بدايات عام 1921، بدأ هتلر يتمكن بشكل كامل من إجادة فن الخطابة أمام الحشود الكبيرة.. بل كان قادرا على حشد عدد هائل يصل إلى مئات الآلاف من المؤيدين كلما قرر أن يُلقى خطابا. فى فبراير من نفس العام، تحدث هتلر أمام حشد يضم حوالى ستة آلاف فرد فى ميونيخ، وللدعاية لهذا الاجتماع، أرسل هتلر شاحنتين مُحملتين بمؤيدى الحزب ليجوبوا الشوارع وهم يحملون الصليب المعقوف محدثين حالة من الفوضى وهم يلقون بالمنشورات صغيرة الحجم إلى الجماهير فى أول تنفيذ للخطة التى قاموا بوضعها، انتشرت سمعة هتلر السيئة خارج الحزب نظرًا لشخصيته الفظة وخطاباته الجدلية العنيفة المُناهضة للسياسيين المنافسين له.. وعند وفاة هتلر أشيع وقتها أنه تناول مادة السيانيد السامة ثم أطلق النار على نفسه بعدها، بالتأكيد لم تكن تلك الأسباب منطقية بالنسبة لحاكم ظن نفسه زعيما على مجموعة مأجورة من الحلفاء.
فهتلر كان زعيما دخل التاريخ من باب التأييد الزائف.. وخرج من أبوابه الخلفية مصحوبا باللعنات والدعوات، ولايزال التاريخ حتى اليوم يضعه فى خانة الزعماء المكروهين المتآمرين، الذين ضحوا بشعوبهم من أجل أتباعهم.
لم أستطع أن أمحو هذه الصورة من ذهنى وأنا أتابع المؤتمر الحزبى الكوميدى الذى قام د.مرسى بدعوة الأحزاب الإسلامية إليه فى قاعة المؤتمرات ليناقش معهم أزمة مياه النيل، متغاضيا عن حقيقة أن الأهل والعشيرة ليسوا هم الشعب المصرى (يعنى ينفع الإخوان يلعبوا single والشعب كله واقف next)!
ذكرنى المؤتمر بخُطب أدولف هتلر،وهو يصرخ ويهلل فى ميادين ألمانيا ومن ورائه الآلاف يهتفون بحياته وإنجازاته.. فمؤسسة الرئاسة وجهت الدعوة فقط لثلاث فئات من المواطنين، وهم أبناء الجماعات الإسلامية وأبناء حزب الحرية والعدالة ومجموعة مُنتقاة من السلفيين.
والسبب ببساطة أن الإخوان هم الأهل والعشيرة.. والسلفيين فئة تم التضحية بها وآن أوان إرضائها قبل حشد 30 يونيو.. والجهاديين أتوا برسالة واضحة للقوة المدنية لإجبارهم على التراجع قبل 30 يونيو وتذكيرهم بعمليات التصفيات الجسدية لو لزم الأمر!
لم نكن نتوقع أبدا أن تكون جماعة الإخوان المسلمين بهذه السذاجة.. ولم نكن نتصور يوما أن يصبح المشروع الإسلامى بهذا الإجحاف.
لم يحلم يوما أى ممن وقفوا أمام صناديق الانتخاب لساعات طويلة فى الشمس الحارقة لانتخاب الرئيس أن ينتهى حلمهم بهذا الكابوس المخيف.
إن من تطوعوا بإعطاء أصواتهم للرئيس مرسى من الإخوان كانوا ضمن قطيع السمع والطاعة وهكذا لم يكن لهم توجه مستقل.. ومن قاموا بإعطائه أصواتهم من الليبراليين كانت قناعتهم نابعة من حرص الجماعة على إقامة دولة العدل بسبب قهرها طويلا.. ويتبقى كل من قام بانتخاب د.مرسى من الإسلاميين والجهاديين، وهؤلاء لم تكن مطامعهم تخرج عن فكرة تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة (ودول يا عينى خرجوا من المولد بلا حمص، يادوب على أد الصابونة اللوكس)!
إن عزاء الرئيس لأسرة الشهيد محمد أبوشقرة الذى قتلته يد الإرهاب، وسط المولد والزفة الكدابة التى قام بها الحاضرون بالقاعة، عزاء غير مقبول لأنه بمثابة الزهرة التى رويت بدماء الغدر فلم يعد لها لون ولا رائحة.
إن تسلح كل مسئول فى مكانه بحاشية زائفة تلوح له وتؤيده وتقرع له الطبول، هى نهاية حتمية لدولة الفضيلة.
إن كل طاغية حكم العالم كان له من المؤيدين من آمنوا قهرا بمعجزاته.. وبكل أسف إن كل مؤسسة فى مصر اليوم يحكمها قائد فاشل أو رئيس فاشل تعُج بالهتيفة والمنافقين.. فأنتم سيدى لم تقدموا الجديد.. لأن الفساد والفشل هما الإنجاز الوحيد الذى يصفق له هؤلاء البلهاء (شوف بقى لما الهبلة يمسكوها طبلة يبقى البلد أحسن لها تفتح فرع تانى فى العباسية)!.
إن الهتاف لمياه النيل وأغنية الموسيقار عبد الوهاب، ومعالجة نقصان مياه النيل بضخ دمائنا فيه! هُراء لن يحل مشكلة تقاعس الدولة عن التدخل الإيجابى فى إيجاد حل للمشكلة، ولن تغير من حقيقة أن سفر الرئيس لإثيوبيا مرتين خلال فترة توليه لم يكن لها أى صدى ولا اعتبار لدى الشعب الإثيوبى.
لا يجب أن نعترض على وجود أنصار للرئيس مرسى، فمبارك لايزال له أنصار حتى اليوم.. ولا يجب أن نعترض على محاولته المهزوزة لإظهار قوته ونزوله من السيارة وسط حلفائه الذين تم حشدهم فى أتوبيسات مثل مشجعى الترسانة فى دورى الدرجة التانية! لأن الرجل من حقه أن يكون له بعض المؤيدين وسط جحافل المتذمرين والمتمردين.
سيدى الرئيس.. إنكم ترتعدون خوفا.. إنكم تخشون خروج الشعب عليكم بعد معاناة عام من حكم الأيادى المرتعشة.. إن حركة تمرد ليست حشوداً تم الزج بها أو أصواتاً تم الدفع لها.. إنها نبض الشارع الغاضب.. فاحذروا تمرُده.
سيدى الرئيس.. حاسب نفسك قبل أن تُحاسب.. دعوتك لمصالحة وطنية وسط زغاريد أم أيمن وتصفيق الكتاتنى وتهليل باكينام وتطبيل الإرهابيين، دعوة مرفوضة لأنها تأتى فى وقت استشعرتم فيه بقرب النهاية فتسولتم الغفران.
سيدى الرئيس.. إن هتاف «ثوار.. أحرار.. حنكمل المشوار» ليس إنجازا كما ذكرت فى خطابك، لأن الهتيفة كانوا فى السجون وقت الثورة، بل وكانوا يخططون للانقضاض على الحكم وقتما كان الشباب يتساقطون كل يوم شهداء فى الميدان.
سيدى الرئيس.. استعراض القوة لم يكن سوى ضعف.. الإشادة بالإنجازات لم تكن سوى إفلاس.. الدعوة لحوار وطنى الآن لم تكن سوى رُعب.. والاستعانة بأبيات الشعر لحل مشكلة أمن قومى لم تكن سوى تخاريف سياسية.
هذه المرة الشارع سوف يقول كلمته يا سيادة الرئيس.. وهى كلمة شعب لايزال يبحث عن حريته وحقوقه وأحلامه التى سلبتها جماعة الظلام.