وحتفضل مصر دايماً هى نفس العروس البهية، اللى قاعدة على شط النيل تغسل شعرها بميته الدهبية، وتكحل عيونها بضوء القمر ورموشها مستحية. مصر الأبية النهاردة يوم عرسها على الحُرية.. وفى وسط الزحمة والفرحة ودقات الدفوف، ومن قلب العتمة والضلمة بتتشق الحيطان ويخرج حرامية الأوطان.. يمزعون فستان عُرسها، يكممون صوتها، ويطفون فى عينيها الفرحة.. ويحبسونها فى الكهف المسحور.. وحيدة حزينة مفطور من البُكا قلبها.
وتفضل مصر سنين وسنين محبوسة فى سجنها البعيد بتحلم بفارس جديد وفرح قريب وشعاع ضوء يتسرب لها من بين شقوق الحيطان.. وبرضه مابيجيش.
المواطن.. (راجل مصرى غلبان قتلته الأحزان وانحنى من كتر الهموم).
هذا المواطن هو المصرى الأصيل الذى وقف يدافع عن أرضه وعرضه يوم دخل الفرنسيون مصر، وتصدى للاحتلال الإنجليزى بشجاعة الفرسان.. وها هو اليوم يقف من جديد فى ميدان التحرير مُعتصما مُعترضا هاتفا بسقوط النظام.
المواطن حمادة صابر لم ولن يكون الأخير، طالما سمحت الدولة بقهر المواطن وتجريده من كرامته، إن الدولة التى تسمح للفقر بأن يصبح عنوان شوارعها دولة ضعيفة لن تستطيع أن تحمى مواطنيها.. وحمادة مثال حى للمصرى الذى لا يمتلك أن يقول «لا» لأن الفقر كسر بداخله النخوة والرجولة.. لقد تعود هذا المواطن أن يقول «نعم» وتعود أن يشكر الحكومة على أقل القليل، وتعود أن يفتح فمه ليلتقط الفُتات.. وتعود أن يكون الحُكام الظالمون أولى أمره..
المواطن أيضا هو تلك السيدات اللاتى تم التحرش بهن فى ميدان الثورة وتجردت مشاعر كل من وقف حولهن من النخوة أو القدرة على إنقاذهن، بل وتلذذوا بالمشاهدة.. النساء المصريات هن تلك المواطن المصرى الذى امتدت كل أيادى الشر والإثم لتمزق عنهن الملابس فى ميدان التحرير.. ولكن أبدا لن تنكسر المرأة المصرية ولن يخضع المواطن المصرى.. وسيبقيان ضد الظلم فى قلب التحرير صارخين فى وجه النظام، كاشفين عورته وضعفه.
المُخبر.. (راجل لابس بدلة ميرى وفى إيده عصايا وكرباج).
المخبر هو ذلك الرجل العسكرى الذى يرتدى زيا رسميا.. سواء كان رجلا ضمن جيش نابليون بونابارت أو ضمن جيش جارنيت ويلسلى، فهو عدو مُغتصب.. واليوم أصبحت المعركة بين قوات الأمن المصرية وأبناء مصر، إن قوات الشرطة ما زالت ترتكب نفس الحماقة ونفس الأخطاء السابقة، فالشرطة التى سقطت فى عهد مُبارك، فى ظل نظام القهر والعنف الذى مارسه العادلى ورجاله لاتزال تقع فى نفس الهوة مرة ومرات.. إنها اختارت أن تصبح نظاما يعمل لصالح الرئيس، دون النظر لكونها جهازاً يجب أن يحمى الشعب فى المقام الأول، إن السحل والقمع شكل من أشكال القوة التى يُصبح من حق الضباط والعساكر مُمارستها فقط فى حالات التجاوز القصوى، أما كونها استعراض لقوة زائفة فهى مرفوضة، وستظل وصمة عار فى جبين هذا الجهاز ورجاله أبدا.. حتى لو كان الفعل فردياً، فالتحقيق فيه ضرورة ومحاسبة المُخطئ فرض وليس اختياراً.
الحرامى.. (راجل بدقن وجلابية داق الظُلم وبقى سلاحه لما السُلطة بقت فى إيديه).
إن اللص هو ذاك الرجل الذى يغتصب الأوطان، ويسرق الحُلم من عيون الأطفال.. كانت مصر بالأمس تواجه احتلالا ومستعمرا أجنبيا، وها هى اليوم تواجه رئيساً منتخباً، رئيساً صَوّت له الناخبون بنعم منتظرين الفتح والعدل على يديه، وهاهو يخلع قناعه فور تتويجه حاكما شرعيا للبلاد.
إن الرجل الذى دافع عن المظلومين بالأمس يقتلهم اليوم.. الرجل الذى أدان قانون الطوارئ يُقره ويطبقه.. الرجل الذى تحدث باسم الدين يغض بصره عن انتهاك عرض الفتيات فى عهده.. الرجل الذى طالب بإعادة هيكلة جهاز الشُرطة يتسلح به ويحتمى بجنوده لقتل الثورة الذى يدعى أنه وأحد من أبنائها.. الرجل الذى ينتمى لدين ينبذ الكذب والعنف يحتمى بميليشيات الإخوان لإسكات أصوات الحق.. الرجل الذى يتحدث عن كرامة المرأة يبعث برجاله ليمزقوا ثيابها ويجردوها من كرامتها ويحنوا شموخها.
إن مصر فى ظل حكم الإخوان أصبحت مرتعا للفوضى، ودولة بلا قانون.
دولة أهانت القاضى، وأطاحت بالنائب العام، وذبحت ضمائر البدل الميرى، وكممت أفواه أصحاب الرأى والرؤى.
لقد سرقت جماعة الإخوان مصر، وتأرجح العدل بين أيديهم.. ولكن سيبقى ميدان التحرير أبدا صرخة غضب فى وجوههم.. وستبقى ذكرى الشباب الذين استُشهدوا وصمة عار فى ظل حكم لصوص الوطن.