يعكف الباحثون الألمان على تطوير منزل المستقبل الذي ينتج طاقة أكثر بكثير مما يستهلكه، ورغم أن ذلك قد يبدو حلما بعيد المنال لكن إحدى الأسر جربت بالفعل منزل المستقبل في برلين واستخدمته حتى في تزويد سيارتها بالطاقة النظيفة. يعكف الباحثون الألمان على تطوير منزل المستقبل الذي ينتج طاقة أكثر بكثير مما يستهلكه. وهي طاقة نظيفة خالية تماماً من ثاني أكسيد الكربون كما أنها صديقة للبيئة. قد يبدو هذا لأول وهلة حلماً بعيد المنال. لكن في العاصمة الألمانية برلين توجد أسرة مكونة من أربعة أفراد يعيشون لفترة 15 شهراً بالفعل في منزل تجريبي من هذا النوع.
يُطلَق على هذا المنزل التجريبي اسم “منزل الكفاءة العالية” وقامت ببنائه وزارة التعمير والنقل الألمانية. واختارت الوزارة عائلة فيلكه-فايشرس كي يعيش أفرادها فيه لمعرفة كيف يمكنهم الاستفادة من كفاءة الطاقة في هذا المنزل، في تزويد أجهزتهم وحاجياتهم اليومية بل وسياراتهم الكهربائية بالطاقة. وبعد شهر واحد من انتقال العائلة إلى هذا المنزل التقت DWأفراد الأسرة لسؤالهم عن انطباعاتهم الأولى حول السكن فيه.
في شارع فازانين في مركز مدينة برلين وفي وسط عدد من البنايات الإسمنتية الشاهقة يوجد منزل برقم 87، وهو منزل مربع الشكل تحيط به حديقة خضراء ويسكن فيه يورغ فيلكه مع زوجتهسيمونه فايشرس وطفلاهما. وتقوم العائلة بتوليد الطاقة الكهربائية في المنزل بنفسها لمدة 15 شهراً، ومن هذه الطاقة تزوِّد العائلة سيارتين كهربائيتين ودراجتين كهربائيتين خلال هذه الفترة.
منزل أوتوماتيكي: حين يعود الأب يورغ إلى البيت ويضغط على زر من أزرار هاتفه الجوّال، ينفتح باب الزجاج الأمامي للمنزل تلقائياً. غرفة المعيشة بالمطبخ الملحق بها مُضاءة بالأنوار الكهربائية والأرضية من الخشب الطبيعي العازل للكهرباء، وفي مدخل المنزل يلقي يورغ نظره على شاشة سوداء معلقة على في مدخل البيت ويقول: “هذه الشاشة هي لوحة التحكم المركزي بالمنزل. هنا يمكننا إشعال الضوء وإطفاؤه، وتحريك الستائر صعوداً وهبوطاً، وضبط جهاز التدفئة”.
يتم تشغيل الكثير من الأجهزة في هذا المنزل أوتوماتيكياً بشكل كامل. وهذا يوفّر الكثير من الطاقة، كما يقول يورغ، فعند وجود حركة في المنزل تستشعرها الحسَّاسات الحركية وتشتغل الأنوار تلقائياً، بالإضافة إلى نظام التكييف والتهوية المتطور الذي يتحسس حالة الطقس ويؤقلم حرارة المنزل وفقها بشكل آلي.
طاقة نظيفة: العائلة فخورة على وجه الخصوص بوحدة توليد الكهرباء الموضوعة على سطح المنزل التي تعمل بالطاقة الشمسية وتسخّن المياه وتغذي معدات التدفئة وتزوّد السيارة الكهربائية بالوقود، وهي طاقة نظيفة خالية تماماً من الانبعاثات الغازية المضرّة بالبيئة. وبحسب ما هو مقرر، فإن وحدة توليد الكهرباء المنزلية هذه تولِّد 16.500 كيلوواط ساعيّ في السنة. وللمقارنة: كانت العائلة تستهلك في منزلها القديم بالسَّنَة الواحدة 2000 كيلوواط ساعيّ. وحتى إذا تم تغذية السيارات الكهربائية الوقود فإنه يتبقى الكثير من الكهرباء الإضافية في “منزل الكفاءة العالية”.
ويصف يورغ النظام الشمسي الكهربائي قائلاً: “هذا التيار الكهربائي يسري من الخلايا الشمسية إلى بطارية المنزل. إنها بطارية ثابتة. ويتم شحنها بالكامل. سعتها 40 كيلوواط في الساعة. أما في الليل أو في الأحوال الجوية السيئة فلا يولّد نظام الطاقة الشمسية ما يكفي من الكهرباء لاحتياجاتنا. وفي هذه الحالة، نستخدم الكهرباء من البطارية المشحونة. وبذلك نكون مستقلين ولو مؤقتاً عن توليد التيار الكهربائي بشكل مباشر من أشعة الشمس”.
يورغ فيلكه يخرج من البيت ويمشي إلى الحديقة ويفتح غطاءً تختفي خلفه البطارية الثابتة الموجودة خارج المنزل. لكنها لا تعمل بشكل جيد بعد، لأن الباحثين لا يزالون في مراحل تطوير بعض تفاصيلها التقنية الدقيقة. منزل المستقبل هذا ليس مثالياً تماماً بعد، لكن هذا لا يمثِّل مشكلة بالنسبة للطفلين فريا، ابنة الاثنتي عشرة سنةً من العمر، ولينز، البالغ من العمر ثمانية أعوام. فهما يكتبان يومياً بحماسة شديدة في مدونتهما على الإنترنت حول حمامهما اليومي ومياهه الدافئة التي تسخن كل يوم بواسطة الطاقة الشمسية، وإن كانت الأم سيمونه تعتبر ذلك نوعاً من المبالغة اللطيفة.
لكن استخدام الطاقة في هذا المنزل أقل عِبئاً لدى العائلة ولو من الناحية النفسية على الأقل، فأفراد العائلة لم يعودوا يشعرون بقلق الاستهلاك الزائد للطاقة، كما تقول سيمونه: “في الماضي في منزلنا القديم كنا نفكر دائماً حول كمية مياه الاستحمام والاغتسال قبل أن نملأ حوض الاستحمام بالمياه الساخنة. ونحن نفكّر بذلك الآن أيضاً في هذا المنزل. ولكن الفرق هو أنه أصبح يساورنا الآن شعور جيد حتى ولو استخدمنا المياه الساخنة بشكل فائض في حوض الاستحمام. والسبب هو معرفتنا بأن تسخين المياه يتم بواسطة الطاقة الشمسية النظيفة من دون أي انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة”.