وجوه وجوه وجوه.. زحمة وجوه وليست أى وجوه، إنها العظمة، فكلما أغمضت عينى أرى وجه ملوك وملكات، والجميع يشير لى بيده: ها أنا ذا، هل يمكنكِ أن تتحدثي عنى هذا الأسبوع؟ فيا تُرى عمن أتحدث ومن أختار؟ فقلبى يحمل للجميع محبة، وشغفى يحمل أكثر وأكثر، فضلاً عن العظمة التى يحملها كل منهم، فمن هو أو من هى؟ ملك أم ملكة؟ ومن يكون أو تكون؟ فالعظمة تملأ عينى أيضاً كلما تعمقت فى القراءة والمعرفة، فشغفى يشتاق أكثر لمعرفة الكثير عن أجدادى ولا أعرف كيف أختار. وبعد حيرة طويلة، وقع الاختيار على الملك الماكر المخادع الذى اعتلى عرش مصر من خلال حيِلة حلم، أو بمعنى أصح ادعى أنه حلم والحلم أصبح حقيقة، وبالفعل اعتلى العرش وأصبح ملكا فى الواقع. يا ترىَ من هو هذا الملك المدعى أو المخادع؟ إنه تحتمس الرابع، ابن الملك أمنحوتب الثانى وحفيد الملك تحتمس الثالث وابن الملكة تياع. ويعتبر الملك تحتمس الرابع ثامن ملك فى الأسرة الثامنة عشر، وقد حكم خلال الحقبة 1401 إلى 1391 قبل الميلاد، وكان يلقب ب الثور القوي، منشئ الضوء، محبوب الإلهتين، الباقي في الملكية مثل آتوم ، حور الذهبي، القوي السيف، وصادِّ الأقواس التسعة، مَلِك الوجْه القِبْلي والوجْه البحري، ابن الشمس، «تحتمس الرابع»، المضيء في التيجان، محبوب «آمون» معطي الحياة والثبات والرضا مثل رع مخلدًا". تزوج الملك تحتمس الرابع من الملكة نفرتاري، وكانت ملكة الأسرة الثامنة عشرة لمصر، وأول زوجة ملكية عظيمة للفرعون تحتمس الرابع، وتزوج أيضا من الملكة "موت إم وَيَا"، وكان يعنى اسمها الإلهة موت في السفينة المقدسة، وكانت زوجة ثانوية للملك، وجاءت أهميتها فى التاريخ عندما أنجبت للملك تحتمس الرابع ولى العهد، فهى أم الملك أمنحتب الثالث، وتزوج أيضا من "يعرت"، ولا يوجد أطفال معروفون للملكة، كما تزوج أميرة من بلاد ميتانى كتوطيد للعلاقات بين مصر وبلاد ميتانى. وأنجب تحتمس الرابع ثلاثة ذكور، هم تحتمس وأمنمأبت وأمنمحات، وتسعة من الإناث، بالإضافة إلى خليفته أمنحتب الثالث. وكان للملك تحتمس الرابع أربعة إخوة أبناء الملك أمنحوتب الثانى، وكان جميعهم يتسابقون على اعتلاء العرش، ومن بينهم تحتمس الرابع الذى كان يتمتع بذكاء خارق وشهرة، وجاءت شهرته من خلال لوحة الحلم!!! فما هى لوحة الحلم هذه يا ترىَ؟؟؟ يقال إنها لوحة أبي الهول القائمة بين ذراعيه، وهى ذات شكل مستطيل حافته العليا مقوسة، ارتفاعها 144 سم وعرضها 40 سم وسمكها 70 سم ويرى في جزئها العلوي شكلان منحوتان للفرعون تحتمس الرابع إلى اليمين وإلى اليسار يقدم قرابين إلى أبي الهول، وهي لوحة تذكارية أمر بوضعها الملك تحتمس الرابع بين اليدين الممتدتين لتمثال أبو الهول في الجيزة، وذلك تخليداً للحلم الذى ادعى أنه رآه قبل اعتلاء العرش وقال إنه ذات يوم وهو كان فى رحلة صيد فكان محباً للرياضة وصيد الحيوانات كثيراً، وبعد يوم طويل من الفر والكر فى مطاردة الحيوانات التى كان يصطادها. وها قد حانَ وقت الراحة فى الظهيرة، فاتخذ ظل الإله مكاناً للراحة حتى يضع رأسه وينام، فأغمض عينه وبقي عقله الماكر مستيقظاً يفكر ويرسم ويخطط، حتى رسم سيناريو الحلم فى عقله وقام واقفاً مسرعاً، ليقص ويقول إنه رأى الإله رع فى منامه، وقصَ حلمه هذا أن أبو الهول تحدث إليه وأخبره أنه إذا قام بإزالة الرمال المتراكمة على تمثاله وحافظ عليه مما يطمسه عن الأعين، فإنه سيمنحه تاج مصر. وقد وجدت هذه الرؤيا بالفعل مسجلة على لوحة وجدت بين يدي تمثال أبو الهول، وجاء فى نص اللوحة: "الآن قد بان تمثال "خبري" العظيم أبو الهول القائم في هذا المكان، شائع الصيت، المقدس المحترن، يلقي عليه رع الظلال، ممفيس وكل مدينة على جانبيها قد أتت إليه، ترفع أيديها تبجيلًا له، وتقدم القرابين الغنية ل كا تبعه "لروحه". وهذه اللوحة تعتبر دليل على أن تحتمس لم يكن الوريث الحقيقى لعرش مصر، وإن أخوته كانوا عقبة في سبيل توليه العرش، مما جعله يختلق قصة الرؤيا كنوع من التحايل للاستيلاء على العرش بدون حق شرعى، وقد أزال بالفعل الرمال عن أبو الهول وأقام حوله سورا بناه من اللبن، وأصبح الحلم المزيف حقيقة وحكم الملك تحتمس الرابع لمدة تسعة أعوام. وبالرغم من الخداع والتحايل الذى اعتلى به الملك تحتمس الرابع العرش، إلا أنه كان ملكا ذكيا ومحاربا قويا، فقد قام تحتمس الرابع بحملة على الشمال بلاد سوريا وأحرز الكثير من الانتصارات وأخمد جميع الثورات التى قامت وعاد من هذه الحملة بالغنائم الكثيرة، وأخذ لبنان طريقاً له والذي أخذ منه كما هائلا من أخشاب الأرز لبناء سفينة آمون المقدسة، وذكرت قصة الأخشاب على مسلة توجد في روما. وقام بحملة ثانية على بلاد كوش بالنوبة، حيث قامت ثورة في بلاد واوات، واستطاع هزيمة أعدائه وعاد منتصراً كالعادة بأسرى وغنائم كثيرة. أما عن آثار الملك تحتمس الرابع، فوجد نقش مناظر أضيفت للبوابة الرابعة بمعابد الكرنك، ونقش آخر عبارة عن القرابين التي قدمها لآمون بعد عودته من حملته الأولى ببلاد آسيا، وعثر له على تماثيل في الكرنك، كما قام بتشييد مسلة في معبد الكرنك تم قطعها في عهد تحتمس الثالث، وهى من الجرانيت الأحمر طولها 32 م وتعتبر أطول مسلة في العالم، وعندما قام الرومان بغزو مصر في القرن الأول قبل الميلاد حملوها معهم إلى روما، حيث توجد الآن في ميدان سانت بيتر في الفاتيكان. وله آثار بمعبد دندرة ومنف، وفي الكاب وجد معبد صغير وفي الفيوم. وتوفى الملك 1388 قبل الميلاد، ودفن فى مقبرته رقم 43 والتى أعدها لنفسه فى وادى الملوك، وقد اكتشفها ثيدور ديفيز في عام 1908، وتعرضت للنهب، ووجدت بها قطع أثاث وعربة حربية، كما أن المومياء نقلت إلى المقبرة الملكية لأمنحتب الثاني المقبرة رقم 35 في عهد الفوضى التي حدثت في نهب قبور للبحث عن الكنوز وإزعاج الملوك، واكتشفت مومياؤه بواسطة فيكتور لورت عام 1898. وتدل مومياؤه على أنه توفى في الثلاثين من عمره، ويقال إنه كان يعانى من مرض خطير أدى إلى وفاته، حيث كان جسده نحيلا للغاية.
