قال الدكتور محمد أمين عبد الصمد، الباحث في الانثروبولوجيا الثقافية، إن الضبط الاجتماعي في النوبة القديمة كان يحتم عند نشوب مشكلة أن يتولى كبار القبائل وعواقلها حلها، موضحا أن أهل النوبة يحرصون على التئام الجماعة وتوازنها وإرضاء النفوس والحفاظ على وحدة المجتمع واستقراره وأوضح الدكتور محمد أمين عبد الصمد، أن الحكم العرفي في قضايا ما، ليس بحثًا عن عقاب الجاني أو المخطئ بل هو جبر للخطأ ومحاسبة للمخطئ في إطار إعادته للمجتمع وقبول المجتمع له. جاء ذلك خلال أحدث سلسلة حلقات برنامج "حكاوى الخطاوى" التى أطلقها الدكتور محمد أمين عبد الصمد "أون لاين" عبر موقع اليوتيوب، بهدف المساهمة فى تنمية ورفع الوعى الثقافى لدى أفراد المجتمع بالموروث الشعبى فى مختلف المجالات. وأضاف عبد الصمد، أن المنزل النوبي وصفه "ديتون" أحد أفراد حملة نابليون على مصر سنة 1798، وقال "إن بيوت النوبة التي تقع جنوبي جزيرة فيلة تمتاز بروعة مظهرها وتتناسق عمارتها، برغم إقامتها من اللبن الممزوج بجريد النخيل وجذوعه التى كانت تستخدم لتسقيف البيوت وإقامة عوارض من الباكيات والبوابات"، كما وصفها "بوركهارت" سنة 1819 إنها مقامة من اللبن, أو من الأحجار غير الملتصقة بالمونة, ويرى هذه الأخيرة على التلال الصخرية المحاذية لضفاف النيل, وتتخذ الأبنية فى هذه الحالة أشكالًا دائرية يجمع كل بيت بناءين دائريين, يخصص أحدهما لسكنى الرجال والآخر لسكنى النساء . وأشار الدكتور محمد أمين، إلى أن البيت النوبى التقليدى يعتبر عنوان ثقافة النوبيين وسجل حياتهم، فطريقة تنظيم البيت وبنائه وتخطيطه يعكس ملامحًا ثقافية شديدة الوضوح. وأضاف أن البيت النوبي يتكون من المدخل الذي يؤدى إلى فناء متسع غير مسقوف يسمى الحوش السماوي وينقسم البيت النوبي بمجرد الدخول إلى فنائه إلى قسمين, وهو ما يفرض على داخل المنزل سلوكًا اجتماعيًا معنيًا, فالقسم الأول للرجال ويجلس فيه رب الأسرة وكبيرها ويستقبل فيه زواره ومرتادي بيته، أما القسم الثاني فهو للسيدات وله خصوصيته وله حرمته وهناك غرف لنوم تسمى القباوى وهناك المخزن لحفظ مستلزمات الأسرة ومؤنها, والمطبخ الذي يطلق عليه الديولة . وعن حُلي المرأة النوبية، قال عبد الصمد إنها جزء من شخصيتها, ومن تاريخ الإنسان النوبي وثقافته، ويأخذ الذهب صدارة الحلي، وتعدد أسماء قطع الحُلي ومنها "الجكد" و "الزمام" و "الكردان" وغيرها من القطع الفنية التي اشتهرت المرأة النوبية بارتدائها والتفنن في إظهار جمالها، ويتنوع زي المرأة النوبية حسب المرحلة العمرية والحالة الاجتماعية للمرأة، فقبل الزواج تحرص الفتاة على أن تكون ألوان ملابس جلبابها هادئة وخفيفة، أما بعد الزواج فيمكنها التطريز المتنوع لملابسها وتكون الزخرفة والتطريز بالألوان الزاهية. وأشار الدكتور محمد أمين، إلى أنه من الآلات الموسيقية النوبية هى الطنبور، وهي آلة موسيقية لها العديد من الأسماء، وتنتشر في العديد من البلدان، وتُصنّف هذه الآلة ضمن الآلات الوترية التي تحدث أصواتها بطريقة النبر على الوتر, وآلة الطنبور خماسية الأوتار, ويصدر عن كل وتر صوت واحد, ولذا أصبحت آلة مناسبة لأداء الموسيقى خماسية السلّم، وهناك أيضا آلة الطار وهي آلة إيقاعية من عائلة الطبول، يستخرج منها الصوت عن طريق النقر، ويتكون الطار من إطار خشبي دائري الشكل يشد على إحدى فتحتيه جلد ماعز أو غزال، بحيث تترك الجهة الأخرى مفتوحة لإحداث الصوت، ويقوم العازف على الطار بعملية إحماء الطار بالنار لشد الجلد، بالإضافة إلى آلة الربابة بشكلها التقليدي ذات الوتر الواحد . وأكد باحث الانثروبولوجيا الثقافية، أن الغناء النوبي تتنوع أشكاله على أساس الآلة المستعملة في الأداء , ومنها أغاني الطنبور، التي تتواجد في المنطقة الممتدة من دنقلة جنوبًا حتى منطقة بطن الحجر المحاذية لمدينة وادي حلفا شمالًا، وهناك أغانٍ بمصاحبة الطار، وتنتشر تلك الأغاني في المنطقة الممتدة من وادي حلفا إلى أسوان وقرى التهجير بالنوبة في الجانب المصري من النوبة، ويتميز غناء الطار بمشاركة كل الحاضرين في الغناء، سواء كانوا رجالًا أو نساء ومن مختلف الأعمار. وأوضح أن أهل النوبة لهم إيقاعاتهم المتميزة وأغانيهم الجماعية التي تصاحب أداء رقصة (الأراجيد ) عند الفاددجا، أو رقصة (الهوللي ) عند الكنوز، ورقصة (الأراجيد) رقصة جماعية تشارك فيها المرأة الرجل، وهي رقصة مستلهمة من نهر النيل وموجاته المتتابعة، وتتشكل حلقة الرقص من أهالي القرية من الجنسين، وتعتبر هذه الرقصة فرصة كي يرى الفتيان الفتيات ويختاروا منهن زوجات المستقبل، والسمة المميزة للحركة عند النوبيين الفاددجا هي التمايل أما عند الكنوز فنجد الوثب مع دق الكف بشدة . وأشار الدكتور محمد أمين، إلى أن من مظاهر دورة الحياة في النوبة، الاحتفالات الشعبية الملازمة لدورة حياة الإنسان معبرة عن ثقافة المجتمع، وممثلة لطقوس عبور ينتقل بها الإنسان من مرحلة إلى أخرى، لا يُعترف به فيها إلا بعد مروره بطقوس العبور وشعائره المجيزة لهذه المرحلة، ويحرص المحتفلون على دقة خطوات الاحتفال وتواليها وتراتبها بما يحقق المرجو منها، حسب اعتقادهم. ونوه إلى أن جزء كبير من الباحثين يرجع الفضل في الحفاظ على الثقافة الشعبية النوبية للمرأة النوبية، فهي شديدة الإصرار على المحافظة على التقاليد النوبية وتعليم أولادها اللغة النوبية وسقايتهم قيم ثقافتهم، سواء في حالة حضور الأب أو غيابه للعمل، ومن احتفالاتهم الاحتفال بالسبوع والزواج .