أفنت أوقاتها في تعلم التواشيح في الصغر فنقشت على حجر موهبتها الفنية، لتشكل من تلك النقوش مرحلة ثالثة من مراحل حياتها الغنائية، مطربة مثقلة بالأحبال الصوتية الناعمة وممثلة فريدة ودلوعة، مزيج فريد استطعمته الجماهير كلما طلت على الشاشة بثوب الغناء أو ثوب الطرب، كانت تلك هي الفنانة الراحلة "شادية" التي تحل ذكرى وفاتها السادسة اليوم 28 نوفمبر. إلى جانب التمثيل والطرب كانت التواشيح مرحلة من مراحل حياتها الفنية اللامعة بالأعمال الخالدة، ولكن في الحقيقة أن تلك المرحلة هي وليدة اللحظة الأولى التي كشفت فيها شادية عن موهبتها الفنية المتعددة أمام والدها الذي دعمها بكل ما أوتي من قوة. ففي إحدى الحوارات السابقة قصت "شادية" رحلتها مع الفن وتحديدًا التواشيح، قائلة:" كانت بدايتي مع التواشيح من صغري، ونحن نسكن في حي عابدين، وأبي مفتش زراعة في الخاصة الملكية، وسمعني وأنا اغني واقلد ليلى مراد وام كلثوم، فأحضر لي مدرسًا للموسيقى ومدرس آخر لتعليمي التواشيح". جذبت التواشيح عقل وقلب "شادية" حتى أنها وضعت الدراسة جانبًا وكرست وقتها لها:" أصبحت احفظ من التواشيح أكثر مما احفظ من دروسي ولم يكن أبي يغضب من هذا.. فكان يعتقد أن مستقبلي سيكون في الطرب". بكلماتهم الثقيلة على لسان صباها، حفظت شادية عن ظهر قلب "يا شادي الألحان" و"قد المياس"، غابت "شادية" عن حبها الأول منشغلة في مرحلتها الأولى في طريق الفن وهي الأغاني السينمائية الخفيفة التي تناسب مواقف بعينها، لتنتقل فيما بعد إلى المرحلة الثانية. فكانت المرحلة الثانية التي تحدث عنها شادية هي أغاني العمق ذات الحزن أو ذات الموال، قد عاونها الكثيرين في تلك المرحلة :" من شجعني على خطوة الموال وأغاني العمق، هما بليغ حمدي ومحمد الموجي، فلهم الفضل في تلك النقلة". بلغت شادية مرحلتها الثالثة بعد مرحلتين في الطرب ترك لها رصيد في قلوب محبيها، وحان وقت غنائها التواشيح بفضل الإذاعة:"تلقيت مكالمة من السيدة صفاء المهندي مديرة الإذاعة وافصحت لي إن الإذاعة ترغب في إعادة التواشيح بأصوات المطربات، وكانت المفاجاة عندما قالت لي إن التوشيح الذي سأقوم بتسجيله هو يا شادي الألحان ومن سيقوم باللإشراف على تحفيظي عند تسجيله كان استاذي التي تلقيت على يده التواشيح لالتقي به بعد كل هذه السنوات". وعبرت شادية عن إن التواشيح تمثل لها ركن من الفن العربي والذي لولاه لضاعت الموسيقى الشرقية.