قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن رسالة الإسلام جاءت عالمية لم تتوقف عند حدود مكة أو العرب فقط بل شملت العالم كله, تصديقا لقول الله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1], وتحقيقا لعالمية الإسلام, التي تأكدت في آيات الذكر الحكيم, مثل قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ:28]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل بعثني رحمة للناس كافة» (المعجم الكبير للطبراني), ولذلك فبعد صلح الحديبية أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رسائل إلى ملوك غير العرب من الدول المجاورة وعلى رأسها الإمبراطوريتان العظيمتان في ذلك الحين الفرس والروم. وأوضح جمعة عبر الفيسبوك: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يحمله دحية بن خليفة الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى, ليدفعه إلى هرقل ملك الروم, وقال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى, أما بعد فإني أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فعليك إثم جميع الأريسيين: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:64] (عيون الأثر). وأكمل: بعدها بعث هرقل إلى ركب قريش يستفسر منهم عن هذا النبي الذي ظهر فيهم، وقال لأبي سفيان بعد حوار بينهما حول صفات النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين, وقد كنت أعلم أنه خارج, لم أكن أظن أنه منكم, فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه (البخاري). كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى المقوقس يحمل المعنى نفسه بل وغالب الألفاظ, بعث به مع حاطب بن أبي بلتعة, وبعد حوار طويل بينهما أخذ المقوقس كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلي جارية له, ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط, سلام عليك أما بعد.. فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه, وقد علمت أن نبيا بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام, وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك, ولم يزد علي هذا ولم يسلم. (زاد المعاد). وهو يدل على أنه كصاحبه هرقل قد اقتنع بالقرآن الكريم والإسلام, ولكن تردد في القبول, وتلطف في الرد, ومرد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب كل ملك بما يليق به وما يتفق مع فكره وهويته, فهو في كتابيه إلى قيصر والمقوقس أشار إلى ما بين الأديان السماوية من روابط, ذلك لأنهما أهل كتاب, إضافة إلى دقة النبي في اختيار رسله إلى الملوك, فهم من ذوي الفصاحة والبلاغة واللياقة والأدب الجم.