قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء أن للغة وظيفتين الأولى هي الأداء، وبها يعبر المتكلم عما في ذهنه من معان بألفاظ لها دلالة متفق عليها بين أهل اللغة الواحدة. اقرأ أيضًا: علي جمعة: البشر يتكلمون ب5 آلاف لغة تموت واحدة كل خمسة وعشرين يومًا وأوضح أن ألفاظ اللغة وضعت مقابل هذه المعاني، وأن واضع ذلك عند بعض العلماء هو الله؛ قال سبحانه: { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا } ، مشيرًا إلى أن من العلماء من ذكر أن واضعها هم البشر. وأضاف أن هناك فريقًا ثالثًا يرى أن أصول اللغات وقوانينها من عند الله، وأن الألفاظ المولدة من وضع البشر، مستأنفًا أن هذا ليسمهمًّا الآن، ولكن المهم أن الوضع - بمعنى جعْل الألفاظ بإزاء المعاني - أمر لابد منه حتى يتم التفاهم بين البشر، مشيرًا إلى أن ذلك بسبب أن المتكلم يقوم بنقل المعاني التي قامت في ذهنه إلى السامع الذي يحمل هذه الألفاظ على مقابلها من المعاني التي سبق للواضع أن تواضَعَ عليها، وبذلك الحمل من السامع تتم الوظيفة الثانية للغة، وهي وظيفة التلقي. وتابع أنه تحصل عندنا ثلاث عمليات: الأولى الوضع، والثانية الاستعمال، والثالثة الحمل؛ حتى قال علماء أصول الفقه: إن الاستعمال من صفات المتكلم، والحمل من صفات السامع، والوضع قبلهما. ولفت إلى أن بعض الناس من مدارس ما بعد الحداثة، يرى أن عملية الوضع ينبغي أن تكون مرنة لا تتقيد بالموروث، ولا يقتصر هذا المفهوم على اتساع اللغة طبقًا لزيادة مساحة عالم الأشياء، والأشخاص، والأحداث، والأفكار، والنظم؛ وهو الاتساع المتفق عليه نظرًا وعملا، بل مقصودهم تغيير دلالات الألفاظ بحيث تزداد مساحة الحرية الفكرية، وترى بعض المدارس المتطرفة من مدارس ما بعد الحداثة أن هناك خمسة أشياء يجب أن تزول حتى يستطيع الفكر البشري أن يبدع، وأن ينطلق بدون أي عائق وهذه الخمسة هي: الثقافة، والدين، والأسرة، والدولة، واللغة. وأكد أن رفع سلطان الثقافة السائدة أمر سيؤدي إلى الاتجاه نحو "النسبية المطلقة" التي تدعو هذه المدارس الفكرية لتبنيها، والتحرر من سلطان الدين قد تم من قبل في الحضارة الغربية، والأسرة أصبحت تطلق عندهم على أي اثنين، فلم يعد المعنى: زوج وزوجة وابن وابنة وأب أم ... عائلة، نفس المعاني التي ورثناها عمن قبلنا، وأنهم يعدون هذا من المعاني المعجمية، أي التي وجدناها في المعجم اللغوي، ومن هذا المدخل أصبح الشذوذ الجنسي - الذي لُعن عند عقلاء البشر دع عنك الأديان كلها - من حقوق الإنسان. واستطرد أن رفع سلطان الدولة وأن يستبدل بها الجمعيات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني - يحتاج إلى تغيير النظام القانوني والاجتماعي، بل قوانين الفكر والنموذج المعرفي والإطار المرجعي. أما إنهاء سلطان اللغة فهو أمر مفزع حقًّا، ويحضرني نقل من كتاب الأستاذ شريف الشوباشي "لتحيا اللغة العربية" حيث يقول في ص24 ما نصه: "وبالإضافة إلى دورها الأساسي كوسيلة وحيدة لحفظ التراث وانتقاله عبر الأجيال، فإن اللغة هي أحد أهم العناصر المكونة للحضارة وللهوية الإنسانية في كل مكان. وأول اتصال بين الإنسان وآخر يتم عن طريق اللغة؛ ويحتاج الزعماء ورجال السياسة والاقتصاد إلى مترجمين للتفاهم، ولولا هؤلاء المترجمون الذين يجيدون أكثر من لغة لكان التفاهم صعبًا للغاية إن لم يكن مستحيلًا؛ فاللغة هي الأداة الأساسية للتفاهم، لكنها أيضًا الوعاء الذي يتبلور فيه فكر الإنسان ورؤيته للحياة؛ وبالتالي فإن اللغة هي العنصر المُشكِّل للثقافة وللفكر والفلسفة والآداب" وهو يؤكد ما نعتقده في شأن اللغة. واختتم الدكتور علي جمعة بيانه بأن عند هؤلاء الحداثيين وظيفة اللغة هي التلقي فقط، وأن معنى هذا أن السامع يحمل الكلام على ما يشاء من معنى، بغضِّ النظر عن مراد المتكلم من كلامه، وبذلك يُفتح باب التأويل من غير ضابط ولا رابط، ونصل إلى النسبية المطلقة؛ حيث يفهم كل سامع ما يشاء أن يفهم ولا ينظر إلى حمل الكلام على ما وضع له، ولا إلى حمله على مراد المتكلم.