يزخر التراث العربي عامة والجزائري على وجه الخصوص بكثير من الميزات التراثية التي تجعل الحفاظ عليه أمرا ضروريا، ففي واحات الجزائر اشتهرت طريقة تقليدية في ري الأراضي ألا وهي خاصية الفقارة، التي كان يتميز بها الجنوب الغربي الجزائري، كونها ميزة خاصة تستخدم لتوفير المياه بواسطة طريقة تقليدية تسمى الفقاقير، وهي أقدم مصدر مائي للسقي ساهم ومنذ قرون في إنشاء الواحات الجزائرية، حيث كان يمارسها الكثير من سكان مناطق النشاط الزراعي داخل الواحات القديمة وأراضي الاستصلاح الجديدة. يقول الدكتور بلحاج معروف، مدير مخبر التراث الأثري في الجزائر، تتجلى خصوصية الفقارة في وظيفتها التي تعد اقتصادية بامتياز حيث لا تتطلب طاقة أو معدات متخصصة في استخراج المياه من الأعماق ونقلها إلى مسافات بعيدة تزيد عن عشرات الكيلومترات إضافة إلى إمكانية التزود بالمياه على مدى أربع وعشرين ساعة دون انقطاع إلا في حالة حدوث خلل أو عطب في إحدى نقاط مسارها حيث يتم إصلاحه مباشرة من طرف جمعية الفقارة. وتابع: هذه الخصوصيات جعلت الفلاحين بالجزائر أكثر تشبثا بهذا الموروث الاقتصادي والحضاري خاصة أنه كان من المرافق الأساسية لحياتهم على مر السنين كما كان لها الفضل في انتشار واحات النخيل عبر مختلف الأقاليم. وأوضح، خلال ندوة نظمها مجلس الخبراء ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية التي تستمر حتى 20 أبريل الجاري، أن لفظ الفقارة حسب ما هو شائع، مشتق من الفقرة لأن المظهر السطحي للفقارة هو تسلسل الآبار على شكل العمود الفقري، تنساب من المناطق المرتفعة في اتجاه المنحدر الأرضي حيث نقطة البدء تكون البئر الرئيسية ذات العمق الأكبر والتدفق الأقوى، إلى أن تصل إلى سطح الأرض مستفيدة من قانون الجاذبية، وعندما يصل الماء إلى سطح الأرض يوزّع وفق نظام خاص. وتابع: يرتبط هذا النظام أساسا بالمناطق ذات الطبيعة القاحلة والجافة مما يفسر ظهور الفقاقير في العالم القديم، مضيفًا أن أهالي الجزائر الغربي لجأوا إلى تقنية جذب المياه الجوفية وتصريفها إلى السطح عبر قنوات أفقية تحت سطح الأرض والمسماة بالفقارة وذلك لتوفر عوامل مثل المنخفضات الطبوغرافية الطبيعية، والعوامل الهيدرولوجية المناسبة واليد العاملة المتمكنة. وأشار إلى أن نظام الفقارة يجسد مبدأ التعاون الاجتماعي والتضامن بين الشركاء، ويتجسد ذلك في التعاون أثناء عمليات الحفر أو الصيانة التي يشارك فيها الجميع في عملية تعرف ب "التويزة" وهي إجبارية على الجميع، بالإضافة إلى هذا، يحافظ الشخص على حقوقه من المياه تبعا لأدائه لواجباته ولقدرته على العمل الزراعي وفقا لمعاير حسابية دقيقة تحقق مبدأ المساواة والعدل بين كل المزارعين. وأوضح أن الفقارة تتكون من نفق أو قناة أفقية جوفية تحت سطح الأرض عرضها يتغيّر من 50 إلى 80 سم، وعمقها يتراوح بين 90 إلى 150 سم، وسلسلة من الآبار الارتوازية حفرت عموديا للوصول إلى المياه الجوفية ترتبط فيما بينها على مستوى القاعدة بالنفق، أو القناة لتوصيل الماء بينها مع وجود انحدار بسيط يسمح بتدفق الماء عبر النفق ثم خروجه بواسطة ساقية ليوزع فيما بعد. وبين بأنها تأخذ شكل منحدر باتجاه الواحات، وعند اقتراب المياه تمر بآبار قريبة من السطح، ومنها يتدفق الماء ليصل إلى القسري، وعلى حافته توجد العيون وهي الوحدات المستعملة لصرف المياه من القسري باتجاه البساتين، بعدما يحدد نصيب كل عين بدقة متناهية من طرف "الكيال" وهو الخبير بأسرار وحسابات مياه الفقارة، وبعد الانتهاء من توزيع حصص المياه تحفظ الحسابات في الزمام، وهو السجل الخاص بتقييد عمليات التوزيع والكيل. وأكد أن الفقارة بدأت منذ قرن تقريبا بالتناقص من حيث العدد والإنتاج في العالم، هذا التناقص زاد في السنوات الأخيرة، فمثلا في الجزائر كان عدد الفقاقير أكثر من ألف في صحراء الجنوب الغربي الجزائري سنة 1904.