منذ أن توفيت زوجة أحمد رفعت في شهر سبتمبر الماضي، تاركة له طفلين في مرحلة الروضة، أصبح هو القائم على شئونهما، ورعايتهما، ونموذجًا للإجابة الشافية عن أسئلتهما المتكررة عن وفاة الأم "هي ماما ماتت ليه؟ ولو عاوزينها نروح لها إزاي؟"، كل هذه الأسئلة المتكررة من الطفلين عن الأم، أجبرت الأب على عدم تعريض طفليه الصغيرين لأي موقف قد يثير أسئلة لا إجابة عنها، ومنها الاحتفالات السنوية التي تنظمها المدارس بمناسبة عيد الأم "الأولاد دايما يسألوني عن أمهم، فأكيد فى يوم زى ده لو راحوا المدرسة ولقوا كل الأمهات موجودين مع ولادهم ما عدا مامتهم حيبقى يوم مش كويس بالنسبة لهم، وحايكون سبب لعياطهم وأنا ماحبش أحسسهم بالحرمان". وضع الأب طفليه في عين الاعتبار، مشاعرهما خط أحمر لا ينبغي المساس بها، فطرق باب الطب النفسي لأخذ روشتة المعاملة النفسية الصحيحة معهما، ومنع تعريضهما لأي موقف ينال من حالتهما النفسية، لا سيما الاحتفال بعيد الأم في المدرسة "أنا قررت ألغي اليوم ده من حياتى، ومن ضمن الأفكار اللى أنا فكرتها إني آخد الأولاد وأروح الساحل بعيدًا عن الاحتفالات لأن القرية اللى إحنا فيها مهجورة تقريبًا فى الشتا". أبدت مَدْرسة الطفلين تفهمًا واضحًا لطلب الأب في عدم حضور الطفلين يوم احتفال عيد الأم "المدرسة تعاونت معايا جدًا واتفقوا معايا إنهم أثناء التدريبات على أغانى عيد الأم حايشغلوهم بأى حاجة تانية، ويوم عيد الأم مش حايروحوا المدرسة"، أصبح الأب مطالبًا بإلهاء طفليه عن احتفالات هذا اليوم، سواء في المدرسة أم البيت أو الشارع" أنا حاحاول ألهيهم بأى خروج أو أى حاجة بس أنا اللى شايل هم اليوم ده لأن كل الأماكن حاتبقى بتحتفل". ما يمر به أبناء "رفعت"، عايشته آية حسني (28 عامًا) في طفولتها، بعد أن غيّب الموت أمها وهي بنت 7 سنوات. كانت "حسني" أمين اتحاد المدرسة وهي في الصف الخامس الابتدائي، طُلب منها آنذاك إعداد حفلة عيد الأم السنوية بالمدرسة. بدأت الحفلة، وبدأت معها دموع آية. ما زالت آية تتذكر تفاصيل ذلك اليوم جيدًا "أول ما بدأنا مقدرتش أعمل أي حاجة، قعدت أعيط عشان الحفلة بدأت بأغنية ست الحبايب، فانهرت ومقدرتش أكمل الحفلة"، وما زاد من صعوبة الموقف، تكريم المدرسة للأمهات الحاضرات حفل عيد الأم "كان شعوري وأمي مش موجودة وسطهم واجعني جدًا، من يومها قررت إني محضرش حفلات عيد الأم ولا أشارك فيها أبدا". أصبح يوم الاحتفال بعيد الأم ملغيًا من قاموس آية منذ طفولتها وحتى الآن، داخل المدرسة وخارجها "كنت دايما بغيب من المدرسة في اليوم ده ويوم اليتيم كمان، ولما كنت عايشة مع جدتي، كان أولادها بيتلموا عندها عشان يحتفلوا بعيد الأم، أنا كنت بهرب وأروح عند أختي"، هروب آية من مظاهر الاحتفال بعيد الأم عززته نظرة "الشفقة والعطف" التي كانت تجدها في عيون المدرسات "شعور الشفقة ده بالنسبة لي كان أقسى من التنمر". لازم الهروب من مظاهر الاحتفال بعيد الأم آية، حتى بعد زواجها، لم تعدْ تحتمل "قسوة" هذا اليوم، كما تقول "دلوقتي بهرب من على السوشيال ميديا، ومن كل مظاهر الاحتفال، هو يوم سيئ للغاية، بهرب فيه من الاحتفالات بأي شكل". نتيجة ما يتعرض له الأطفال الأيتام في المدارس مثل أبناء "رفعت" وما مرت به آية في طفولتها، تبنت شيماء ماهر، معلمة في إحدى المدارس، مبادرة لإلغاء احتفالات عيد الأم في المدارس، والمشاركة على هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي "#إلغاء_عيد_ الأم"، إذ شارك العشرات من أولياء الأمر مطالبهم بإلغاء الاحتفال بهذا اليوم في المدارس حفاظًا على مشاعر الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم. لم تكن شيماء لتتبنى هذه المبادرة إلا بعد ما شاهدت بعينها انهيار طفل فقد أمه، من البكاء، في حفل عيد الأم "السنة اللي فاتت كنت في مدرسة ابني وكانوا مشغلين في الإذاعة أغنية ست الحبايب، وولد في المرحلة الإعدادية انهار من العياط لدرجة إن المدرسين قعدوا كلهم يحضنوه، وخلى كل من فقد أمه يعيط وكان يوم بالنسبة لي مش حلو خالص ولا للطلبة، والمدرسين كمان كانوا كلهم منهارين حرفيًا". مراعاة لشعور الأبناء فاقدي الأم، قدمت شيماء في مبادرتها حلولًا، منها تدعيم الأطفال فاقدي الأم، بأن يتم عمل حصر شامل للأطفال الذين فقدوا أمهاتهم بالمدرسة، وتًشرف كل معلمة على حالة واحدة من هؤلاء الأطفال بأن "تراعيه وتتابع دروسه ومذاكرته، وفي نهاية كل عام دراسي يتم تكريم الأمهات اللي وقفوا جانب الأطفال فاقدي الأم"، إضافة إلى تقديم أخصائي نفسي من الوزارة إلى المدارس لمتابعة حالة الأطفال فاقدي الأم في هذا اليوم بالذات "الأطفال بياخدوا جنب لوحدهم، واللي بيحصدوه من أذى نفسي بيكون أكثر من آثار الاحتفال بعيد الأم". ما طرحته شيماء وجد تفاعلًا من أولياء أمر الطلاب، الذين طالبوا بإلغاء الاحتفال بهذا اليوم على "الجروبات" التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي حفاظًا على مشاعر الأطفال، وهو "ما استجابت له بعض المدارس وألغت الاحتفال بهذا اليوم" تقول شيماء، مثل مدرسة الأورمان الخاصة بالهرم التي أصدرت بيانًا على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي، تخطر فيه أولياء الأمر بمنع الاحتفال بهذا اليوم واستقبال أي هدايا للعاملين بالمدرسة "احتراما وتقديرا لأبنائنا الذين فقدوا أمهاتهم"، وفق البيان.