قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يعاقب، وهو أحكم الحاكمين، وهو العدل قاضي القضاة، ملك الملوك لا إله إلا هو، ولذلك فلا يُتصور في شأنه -سبحانه وتعالى- إلا أن يكون عادلا، كما في قوله -تعالى-: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. وأضاف جمعة في بيان له: كثيرٌ من الناس تتعجب من أن الله الرحمن الرحيم الرءوف العفو الغفور يُعذِّب هذا العذاب، وربنا -سبحانه وتعالى- نص على أنه يعذب الكافرين عذابًا مهينا، وعذابًا أليما، وهنا يأتي بصفةٍ أخرى من العذاب أنه دائمٌ ومستمر، وأنه مقيم. وتابع: يسأل بعض الناس، الذين قالوا: نحن لا نحب هذا الإله الذي يُعذب هذا العذاب الأليم المهين المقيم، ولِمَ لا يعفو حتى عن ذلك الكافر الذي خالف ربه وأن يرحم ضعفه وأن يتجاوز عنه؟ وكانت المفاجأة أن الله سبحانه وتعالى عندما تكلم عن الوعيد لم يتكلم عن العقوبة، ولم يتكلم عن الانتقام بهذا الكم الكبير وهو يصف ما هو بإزاء فعل الكافرين المفسدين المسرفين الظالمين لأنفسهم، وإنما استعمل في الأعم الأغلب كلمة عذاب، وكلمة عذاب في لغة العرب مكونة من حروفٍ ثلاثة (ع، ذ، ب)، ولو رجعنا إلى لغة العرب من أجل أن نتعمق في هذه الكلمة لوجدنا أنها تستعمل أيضًا في الماء الحُلو فنقول هذا الماء عذب، وعندما نصف الكلام الجميل الذي ينسال ببساطة نقول هو كلام فيه عذوبة؛ فكلمة عذب وكلمة عذوبة من نفس المادة؛ فهل لهذا أثر في استعمال القرآن هذه الكلمة؟ وأضاف في بيانه: "يقول الشيخ محي الدين بن العربي: إن الله سبحانه وتعالى استعمل هذه الكلمة من أجل أن يبين أن رحمته في عقوبته -يعني متخللة في عقوبته- فيشعر أحدهم بالألم مع شعوره بلذةٍ بذلك الألم، كيف هذا؟ قال: ضرب الله لنا أمثلةً حولنا نتأمل فيها وندرك معاني القرآن منها: المرأة التي تلد تتألم غاية الألم وهي سعيدةٌ غاية السعادة وهل يوجد من يتألم ويسعد؟ والمرأة أثناء الولادة تعاين الموت إنما لتعلقها بحِبها، بولدها، بفلذة كبدها فإنها تتعلق به تعلقًا شديدًا غير مبرر، فهي إذًا التفتت إلى الولد فهان عليها الألم ولم تلتفت إلى هذا الألم بالرغم من معاينتها المو ، قال: وإذا جلست تتأمل الإبل -الجمل- وقد أصيبت بالجرب -مرض جلدي- تراه يبحث عن شجرة يحك جلده فيها حتى يدمى، فإذا فعل ذلك شعر بالألم، وشعر بلذة الحِكة. وتابع: "إذًا يُتصور أن يكون هناك ألم وأن يصاحب الألم لذة هذا كلام الفلاسفة الكبار، الألم واللذة من مباحث الفلسفة المتخصصة لماذا؟ قال: لأنه مبحث المنفعة والمفسدة، فما هى المنفعة؟ هى: جلب الملذات ودفع الآلام ووسائلهما، وما المفسدة؟ هى: جلب الآلام ودفع اللذة ووسائلهما يبقى هي المنفعة، قالوا: وهذا لا يكون إلا بحكم الله، من الذي يحدد المنفعة والمفسدة؟، الله -تعالى-، يقول الإمام القرافي: وذلك لأنك لا تجد منفعة محضة ولا تجد مفسدة محضة، بل تجدهم داخل بعض، قال: إذا أردت لذة طيب الطعام فإذا سعيت لإنضاجه لسعتك النار، فلا توجد منفعة خالصة ولا مفسدة خالصة، ولكنها اختلطت فأرادت تحديدًا من الله -رب العالمين-، ولذلك فإننا نقول لمن صُد عن الدين من أجل ما يقرأ من آيات العذاب إن الله رحيم، وإن الله فعل هذا ليصد عباده عن المعصية، وأنه مع هذا فهو رحيمٌ في كل حال حتى في العذاب.