سرقة الثورة

تعبير سرقة الثورة الذى يردده البعض تعبير لا معنى له، لأنه يذكرنا بتعبير «المؤامرة الصهيونية» على المسلمين، والمؤامرات الخارجية على العرب، فمهما كان حجم المؤامرات الخارجية على بلادنا فإن هناك أسباباً داخلية تساعد المؤامرات الخارجية على النفاذ والنجاح، وإن نظرية المؤامرة ما هى إلا خطط من أطراف كبرى لتحقيق مصالحها، وإن خيبة الآخرين فى عجزهم عن تحقيق مصالحهم والدفاع عن أنفسهم.
والحقيقة أن نظرية «سرقة الثورة» تذكرنى بهذه الطريقة فى التفكير، وحان الوقت لمعرفة ما هى الأطراف القوية التى سيطرت على السلطة، ليس لأنها سرقت الثورة إنما لأنها كانت الأكثر دهاء وتنظيماً فوصلت للحكم، ولو لم يكن ذلك قد حدث لكانت أطراف أخرى من داخل الدولة هى التى ستحتفظ بالسلطة ولن يصل إليها فى كلتا الحالتين الثوار الذين أشعلوها.
والحقيقة أنه يجب أن ننظر إلى ما جرى فى مصر على أنه نتاج لتوازن القوى الموجود على الأرض، فهناك قوى الاحتجاج التى أشعلت الثورة بعفوية، ولديها ثقافة احتجاجية تفنن وتبتكر فى مواجهه رجال النظام القديم وليس المنظومة القديمة، وامتد بها الحال لتواجه مخالفيها فى الرأى حتى لو كانوا من رفاقها داخل نفس الحزب فتبحث لهذا عن تصريح شارد هنا أو جملة منسية هناك حتى تبرر عدم «نقائهم الثورى»، ودشنت خطاب «يسقط» الشهير من حكم العسكر الوهمى إلى حكم المرشد الحقيقى، دون أن تبذل أى جهد فى بناء مشروع سياسى بديل للإخوان أو الإدارة الفاشلة للمجلس العسكرى.
إن الثورة لم يسرقها الإخوان ولا المجلس العسكرى، إنما أخذها من امتلك تنظيماً قوياً وحسابات محددة حكمت كل مواقفه، وأصبح تعبير «سرقة الثورة» سبباً لإخفاء الخيبة فى بعض الأحيان والفشل فى أحيان أخرى.
فالمؤكد أننا ندفع جميعا ثمن أوهام وأساطير صدقناها مثل أن أعظم ما فى الثورة المصرية أنها ليس لها قائد، «يا سلام»، وهى حالة لم تحدث فى أى تجربة ثورية أخرى، فقد غاب التوافق على شخص أو أشخاص، والمقصود هنا التوافق على مشروع سياسى محدد وليس الشعارات الديمقراطية العامة، فربح التيار المنظم الذى لديه مشروع واضح، وخسر المنقسمون المشتتون.
لقد وصل إلى السلطة من رتب أوراقه بشكل جيد وربح بالصندوق انتخابات حرة رغم ما فيها من تجاوزات، ومواجهة من وصلوا للسلطة لن يكون بالولولة والبكاء على اللبن المسكوب إنما بالاعتراف بأن هناك من اعتبر الثورة غاية وهناك من اعتبرها وسيلة، والإخوان كانوا فى مصاف من اعتبروها وسيلة فحققوا هدفهم بسهولة لأن الهدف كان السلطة وليس الثورة.
لا توجد ثورة ولا تجربة تغيير واحدة تحقق أهدافها بالضربة القاضية، صحيح أن إسقاط رأس النظام قد يأتى بالضربة القاضية كما جرى مع «مبارك» يوم 11 فبراير، أما باقى أهداف الثورة فيتحقق بالنقاط، وإن من سيبنى حزباً قوياً ومؤسسة ديمقراطية حقيقية وبرنامجاً بديلاً وملهماً، ويتوقف عن حديث «الثورة سُرقت»، فهو الذى سيصنع مستقبل هذا البلد، وسيكون قادراً على تغيير أى حكم بالديمقراطية حتى لو كان حكم الإخوان.
amr.elshobaki@gmail.com
نقلا عن المصري اليوم