في خضم تصارع الدول وتبعات الحرب العالمية الثانية، لم ينس حكامها دور القضاء الذي قال عنه ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني "طالما أن القضاء والعدالة في البلد بخير فكل البلد بخير" وفي عرس الدم الذي صاحب الثورة الفرنسية قال فولتير "إن أعظم عمل إنساني هو رد العدالة لمن فقدها" ، هكذا هو الحال والتاريخ لا ينسى ، يصوغ لمتتبعيه الأحداث مبرزًا من وقف وقال وحكم دون رهبة. منذ أربعين عاما جلس المستشار حكيم منير صليب على منصة المحكمة قاضيا في قضية من أخطر القضايا فالتهمة الموجهة للمتهمين البالغ عددهم 176 شخصا لم تكن تهمة عادية بل كانت "محاولة قلب نظام الحكم" وأعتقد الرئيس أنور السادات أن قرار المحكمة سيكون في صالحه وأن المحكمة ستنحاز ولو قليلا إلى جانب رئيس الجمهورية وتصدر أحكاما قاسية في حق المتهمين. هو المستشار حكيم منير صليب، رئيس محكمة أمن الدولة العليا، التي حكمت في القضية رقم 1844 لعام 1977 وبعضوية المستشارين علي عبد الحكيم عمارة وأحمد محمد بكار القاضيين بمحكمة استئناف القاهرة، وأطلق عليها حينذاك قضية الشيوعية والتحريض على أحداث 18 و19 من يناير سنة 1977 "انتفاضة الخبز". وأصدر حكمه وقتها بعد مداولة استمرت عامين بالبراءة على 176 متهما مؤكدا في حيثيات حكمه التي خلدت اسمه عبر التاريخ أن ما حدث كان انتفاضة شعبية وليس انتفاضة "حرامية". وقال المستشار صليب في حيثيات الحكم :"والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلي سبب آخر غير تلك القرارات فلقد أصدرت علي حين غرة وعلي غير توقع من أحد وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلي الشارع للناس محرضا ومهيجا". المتهم السابع في انتفاضة الخبز يتذكر "لا تخف من ذى سلطان طالما هناك قاض عادل يحكم بما انزل الله دون قيد أو شرط ولديه ضمير يقظ" بهذه الكلمات لخص الدكتور أحمد بهاء شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكى المصري موقف القضاء المصرى من معظم القضايا الوطنية. شعبان والذى حل سابعا بين 176 متهما بالقضية رقم 1844 لسنة 1977 ورقم 67/1977 كلى وسط ، قسم عابدين والمعروفة إعلاميا بإنتفاضة 18 و19 يناير 1977 والتى حكم فيها محكمة امن الدولة العليا برئاسة المستشار حكيم منير صليب قال أن ذكرى الإنتفاضة تأتى فى وقت وقف فيه القضاء وقفة جليلة ومشرفة خاصة عقب الحكم الصادر من القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا بمصرية تيران وصنافير. شعبان تذكر بكلمات يملؤها الحنين للماضى والشموخ للقاضى الجليل حكيم منير صليب الذى أمتد فى وصفه وأكد أنه امتداد لجيل عظيم من قضاة مصر الاجلاء الذين لا يخافون لومة لائم فى رفع الظلم واقرار العدل موضحا أن صليب قضى ببراءة كل من لم يثبت إدانتهم أو يتم ضبطهم متلبسين فى ارتكاب اعمال تخريب أنذاك رغم كم الإتهامات التى كيلت ضد من شارك بهذا الأحداث. شعبان توقف قليلا وتابع:" كل مهنة بها من يرتكب تصرفات مسيئة لمن يعملون بها لكن هذا لا يمنع أن السواد الاعظم جيدا ويراعى الله والضمير خاصة القضاة الذين تكال لهم الإتهامات بمجرد وجود عنصر خرج عن النسق العام". "المعارضة لا تمنعك من الإدلاء بشهادة حق فالقضاء المصرى له مواقف وطنية متعددة ويظهر معدنه الاصيل فى المحافل الكبرى التى تشغل الراى العام ودائما ينتصر للقضايا الوطنية" بهذا وصف شعبان القضاة المصريين على مر التاريخ مضيفا :" أثق فى جانب كبير من رجال العدالة وحمايتهم حماية واستقلال للوطن". يوم الإثنين الماضي 16 يناير سجل المستشار أحمد الشاذلي اسمه في التاريخ، بعد حكمه برفض طعن الحكومة على بطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية "تيران وصنافير" والتأكيد على مصرية الجزيرتين، بعدما شدَّد على أن الحكومة "لم تقدم أي دليل على أنها تابعة للسعودية". المستشار أحمد الشاذلي، هو نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس دائرة فحص الطعون بالمحكمة الادارية العليا، ابتداءً من أول أكتوبر عام 2016، بعدما شغل رئاسة الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري حتى نهاية سبتمبر من العام نفسه. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها ببطلان اتفاقية تيران وصنافير :" خطأ تاريخى جسيم غير مسبوق، يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب وليس ملكًا لسلطة من سلطات الدولة ومصر الدولة لم تُخرج جيشها قديمًا أو حديثًا خارج أرضها إلا لحماية أمنها أو أمن شقيقاتها العربية، وأن لفظ احتلال فى عُرف الجيوش هو الانتشار أو السيطرة، يطلقه الجيش على عملياته العسكرية داخل أرضه، ويختلف اختلافًا جوهريًا عن احتلال الأرض والأوطان للغاصب، كما أن خلو الأوراق من أى وثيقة مكتوبة باتفاق دولى بين مصر والسعودية يُنبئ بأن الجزيرتين كانتا ضمن الحدود السياسية أو الجغرافية للدولة الأخيرة، ولا يسوغ بناءً على محض افتراض أن تُتخذ إجراءات تتصل بالتنازل عن الأراضى المصرية أو عن السيادة عليها إلى دولة أخرى".