في صباح الخميس (14 ) يونية 2012 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها التاريخي ببطلان عضوية ثلث أعضاء مجلس الشعب ، وأكمل المستشار المتحدث الرسمي بإسم المحكمة أن البطلان للمجلس بالكامل وليس للثلث فقط ، وهو مايعني ( حل ) المجلس والتحضير مرة أخري لإنتخابات جديدة . ورغم أن الحكم قد جاء صادما للبعض ، إلا أن المحلل للأحداث والمتابع لها منذ قيام ثورة (25 ) يناير 2011 حتى تاريخ صدور الحكم كان يتوقع وبشدة (حل ) المجلس في أية لحظة ، وأن وقت حله قد تأخر كثيرا عن المتوقع له ، وجاءت الشعرة التي قسمت ظهر البعير بتناول أعضاء برلمان الثورة لحكم محاكمة القرن لمبارك والعادلي ، والذي عجل بالنهاية التي كانت مؤجلة . لا ينكر منكر أن في مصر ( جهابزة ) القانون بكل أشكاله سواء في كليات الحقوق أو المحامين المخضرمين أو القضاة بالمحاكم أو من خرجوا على المعاش . ولاينكر أحدا أيضا أن من هؤلاء (الجهابزة ) من تخصص في تفصيل القوانين (وفقا للتعليمات ) وصياغتها بالشكل الذي يستعصي فهمه ، والتي يمكن تفسيرها على عدة أوجه على النحو الذي تريده السلطة ، وفي الوقت الذي تريده . وتصورالشعب المصري ( لطيبته ) أن هؤلاء قد ذهبوا ( غير مأسوف عليهم ) الى غير رجعة مع النظام البائد ولم يعد لهم وجود ، ولكن ماحدث أكد أنهم ملء السمع والبصر ولا يمكن الاستغناء عنهم . فالمجلس العسكري لم يضع قانون الانتخابات البرلمانية بنفسه وانما وضعه الجهابزة بمباركة من المجلس العسكري (وصبيه ) المجلس الاستشاري ، والتي تمت الانتخابات بموجبه في أول إنتخابات حرة ونزيهة لم تشهدها مصر في تاريخها . وفي غمرة الانشغال بالثورة الوليدة وتوابعها لم يفكر أحد في السؤال عن دستورية هذا القانون حتى من أصحاب القانون أنفسهم ، وإنشغل الجميع بالأحداث المتلاحقة لتوابع الثورة والثورة المضادة لها سواء عن قصد وتوجيه أو حسن نية . كما زادت فرحة الشعب بمجلسه وأعضائه من حماسة الأعضاء والذي جاء غالبيتهم من ميادين الثورة بمحافظات مصر المختلفة ، لتنتقل الثورة ايضا الى قاعة المجلس ليظهر هذا الحماس جليا في القوانين التي أصدرها المجلس والتي كان يناقشها تمهيدا لإصدارها ، وكان آخرها قانون العزل السياسي . ونظرا لأن المجلس وأعضائه وقوانينه التي أصدرها قد تجاوزت بعض الخطوط الحمراء (التي تصورنا لفرط تفاؤلنا ) أنها اختفت ، وأصبح هناك حالة من عدم الرضى والخوف والترقب ممن وضعوا القانون وممن باركوه ، فكان لابد من إظهار (المستخبي ) وتم إحالة القانون في الوقت المناسب الى المحكمة الدستورية التي أصدرت حكمها المتقدم ، وعلى الفور ظهرت قوات الشرطة وقامت بتأمين المبنى ورفضت السماح لأحد بدخوله إلا بإذن كتابي . عندما أعلن الدكتور الكتاتني من قبل عن تهديد الدكتور الجنزوري له بحل المجلس وأن القرار بأدراج المحكمة لم يصدقه أحد . وهكذا نجح (ترزية ) القانون ومن ورائهم ( وهم للأسف مصريون ) في ضرب الثورة الوليدة في مقتل ،وإعادة مصر من جديد الى نقطة الصفر لتبدأ معاناة جديدة لا يعلم مداها إلا الله . فهل تلدغ مصر من نفس الجحر مرة أخرى ؟