يدعو النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى طاعة الله، وتأدية فريضة الجمعة على أتم وجه، من الطهر، والنظافة ظاهرا وباطنا، وذلك لما رود عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اغتسَلَ يومَ الجمعةِ، وتَطَهَّرَ بما استطاع من طهرٍ، ثمَّ ادَّهَنَ أو مسَّ من طيبٍ، ثمَّ راحَ فلمْ يُفَرِّقْ بينَ اثنينِ، فَصَلَّى ما كُتِبَ لَهُ ، ثم إذا خرجَ الإمامُ أنصتَ، غُفِرَ لهُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الأخرَى»، رواه البخارى. وقال الإمام ابن حجر العسقلانى فى كتابه فتح البارى لشرح صحيح البخارى،إن سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أخبر بأنه ما من عبد نظف بدنه وثيابه وتطهر وتجمل وادهن بطيب من بيته، ثم خرج إلى المصلى في هدوء وسكينة ووقار، فلم يزاحم أحدا، ولم يتخط رقاب الناس، بل جلس حيث انتهى به المكان، وصلى ما شاء له الله أن يصلي، ثم جلس مصغيا لما يقوله الخطيب، من عظات تطهر نفسه، وتكمل خلقه، وتعلمه شعائر دينه، وتفاصيل كتابه، وتابع: «أنه ما من مسلم يفعل ذلك إلا رضي الله عنه، وغفر له خطاياه التي اقترفها منذ الجمعة الماضية، إلى الجمعة الحاضرة، لأنه أحسن لقاء ربه، واستعد لفريضته أجمل استعداد، وأظهر آثار نعمة الله عليه، شكرا لما تفضل به عليه فكان جزاؤه أكرم جزاء هل جزاء الإحسان إلا الإحسان». وأضاف ابن حجر فى شرح الحديث، أن معنى قول النبى «من اغتسَلَ يومَ الجمعةِ، وتَطَهَّرَ» أى بما استطاع من طهرٍ أي لا ينظف جسمه كله بالماء تنظيفا شرعيا، وقيل المراد أن التنظيف يكون بأخذ الشارب والظفر وحلق العانة، أو المراد بالاغتسال غسل الجسد، وبالتطهر غسل الرأس وتنظيف الثياب، وقوله: «ثمَّ ادَّهَنَ أو مسَّ من طيبٍ» ومعناه يطلي الشعر بالدهن أو الزيت، ليزيل شعث رأسه ولحيته واستطرد: « أن "أو" لأحد الشيئين، والمعنى إن لم يجد دهنا، يمس من طيب بيته، ويحتمل أن تكون بمعنى الواو، وقد روي كذلك فلا مانع من الجمع بينهما، بأن يدهن ويمس من طيب بيته»، مضيفا أن معنى قول النبى: «ثمَّ راحَ فلمْ يُفَرِّقْ بينَ اثنينِ» يفرق بضم الراء، أي يفصل بين اثنين، وهو كناية عن التبكير فى الذهاب إلى الصلاة، أي عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس، قال الكرماني، أو المعنى لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما، لأنه ربما ضيق عليهما، خصوصا في شدة الحر واجتماع الناس. وأشار العسقلانى إلى أن قوله –صلى الله عليه وسلم- «فَصَلَّى ما كُتِبَ لَهُ»، معناه يحتمل وجهين، أحدهما أن المراد بما كتب له ما فرض عليه من صلاة الجمعة، والثاني أن معنى "ما كتب له" أي ما قدر له أن يصلي فرضا أو نفلا، ومعنى: «ثم إذا خرجَ الإمامُ» أنصتَ بضم أوله أو بفتح أوله، والمعنى يسكت عن الكلام إذا شرع الإمام فى الخطبة، قال الأزهري "أنصت ونصت وانتصت" ثلاث لغات بمعنى واحد. وبين أن المراد من قول سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- « غُفِرَ لهُ ما بينَهُ وبينَ الجمعةِ الأخرَى»، أي بين يوم الجمعة الحاضرة وبين يوم الجمعة الأخرى، ويحتمل أن تكون الماضية قبلها، أو المستقبلة بعدها.