18 شهراً حددها مبعوث الأممالمتحدة ستيفان دى ميستورا لبدء الانتخابات الرئاسية تحت إشراف الأممالمتحدة فى سوريا, وهى فترة تبدو لأول وهلة طويلة, لكن الواقع الجديد فى سوريا هو ما جعل الكبار يتريسون فى أزاحة الاسد سريعاً من على هرم السلطة, فقد كشف تطور الاحداث فى سوريا أنه لا توجد مؤسسات دولة حقيقية فى سوريا, وكل شئ تقريباً تم تفصيله على مقاس بشار الاسد, سواء فى الجيش أو القضاء أو المؤسسات التشريعية. فعندما مات حافظ الاسد بعدما تخيل البعض انه لن يموت, اكتشف المنتفعون من استمرار نظام حافظ الاسد فى الحكم ان الدستور حدد سن الترشح للرئاسة بأربعين عاماً وأن بشار لم يصل الى هذه السن بعد, وكما فى فيلم الزوجة الثانية (الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا) تم دعوة مجلس الشعب المختار أعضاؤه بواسطة أجهزة حافظ الاسد الأمنية فى السر والشعب السورى فى العلن لتعديل الدستور كى يتم السماح لبشار بالترشح , ولذا تم تفصيل مادة الترشح للرئاسة على مقاس الاسد الابن بعدما كانت مفصلة على مقاس الأسد الأب. وقس على ذلك كل أجهزة الدولة السورية جميعها، حيث تم اختيار قادتها ومديريها ووزراءها على مقاس بشار الاسد, ففى الظاهر هناك سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية تعمل لصالح الوطن فى سوريا, ولكن فى الواقع معظم هؤلاء يعملون لصالح بقاء رئيس سوريا, وربط بشار بدهاء بين بقائهم وبقائه فى السلطة فصاروا جزء من بشار نفسه, ولذا عندما اهتز بشار الأسد اهتز كل ذلك, لأنه مبنى على شخصه لا على بلده, ولذا فإن رحيل بشار بدون ترتيب لمرحلة ما بعده معناه تفكك كل مؤسسات الدولة وحدوث حالة من الفراغ الكبير فى أدارة الدولة ربما يملاؤه ما يعرف بتنظيم الدولة الاسلامية فى منطقة والاكراد فى منطقة والعلويين فى منطقة أخرى ويتكرر السيناريو العراق. فالعراق كان دولة موحدة يحكمها الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله بالقوة, وبنفس فلسفة معظم قادة حزب البعث فى اختزال الدولة فى الرئيس كان العراق يتم إدارته كذلك آن ذاك , ولذا عندما ارتكب بوش الابن كارثة غزو العراق وإزاحة صدام حسين من السلطة لفشله فى السيطرة على بترول العراق وذلك بدعوى امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل, وتلا ذلك حماقة أطلاق بول بريمر رصاصة الرحمة على الجيش العراقى بقرار حله , رحل تماسك العراق لغياب المؤسسات الحقيقية المستقلة فيه, وظهرت على السطح نيران الطائفية التى كانت قابعة تحت نيران الخوف من بطش صدام , فالعراق كان محكوماً بالخوف والرعب حتى مات صدام ومات معه الخوف. ونفس السيناريو يكاد يتكرر فى ليبيا , فبعد موت القذافى رحمه الله , لم يجد العالم دولة لأنه لم تكن هناك مؤسسات حقيقية مستقلة فى ليبيا , كل شئ كان مختزلا فى فكر وأحلام العقيد القذافى , فهو المفكر والفيلسوف , وكل الاجهزة الصورية فى ليبيا كانت تدور فى فلكه ولذا عندما ذهب مركز الدائرة ذهب محيطها , وتفاجأ العالم أو ادعى العالم انه تفاجأ بعدم وجود مقومات بقاء الدولة, فلدينا فى ليبيا أرض وحدود وشعب ولكن بلا مؤسسات تحكمه , وبدأت الاممالمتحدة رحلة الالف ميل لبناء مؤسسات دولة من نقطة الصفر وان كان ذلك ممكناً حتى الآن , طالما القوى الدولية المتصارعة لم تصل قواتها بعد الى الملعب الليبى. وعودة الى سوريا فإنه ليس أمام دى ميستورا فى سوريا سوى إعادة بناء مؤسسات الدولة أولاً كى تبقى الدولة السورية على قيد الحياة بعد رحيل بشار الاسد , وان كان الموقف فى سوريا أشد تعقيداً من العراق ومن ليبيا لأن أكثر من نصف الشعب السورى المعنى بذلك لم يعد موجوداً فى الداخل , ومن تبقى فى الداخل أصبح بين نيران القوى المتصارعة سواء كانت قوى تحارب بالإنابة عن غيرها أو قوى تحارب من أجل بقائها وبقاء مصالحها. ولذا فإن مشكلة تدهور تماسك العراقوسوريا وليبيا كانت فى الاساس بسبب غياب المؤسسات الحقيقية المستقلة التى تعمل لصالح هذه الدول , فلو كانت هناك مؤسسات قوية ومعبرة عن شعوب هذه الدول لصمدت بعد رحيل حكامها وتغيير حكوماتها , ففرنسا التى كانت تحتل سوريا فى الماضى تعرضت للأحتلال والتدمير شبه الكامل فى الحرب العالمية الثانية ومعظم دول أوروبا دمرها هتلر كذلك, ولكن بمجرد هزيمة هتلر عادت الدول أقوى من الأول لأنها كانت دول قائمة على أسس حقيقية ومؤسساتها مستقرة ومعبرة بصدق عن شعوبها.