أمر الله تعالى عباده بعدم إكراه الناس على الدخول فى الإسلام والإيمان به لأنه تعالى لو شاء لهدى الناس أجمعين فإن الله يحب أن يرى الناس يدخلون فى دينه محبةً له ولرسوله وليس إكراهاً عليهم، وذلك مصداقا لقوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، سورة البقرة: آية 256. وقال الإمام محمد متولي الشعراوي، في تفسيره للآية الكريمة، إن المقصود من قول الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، الإكراه هو أن تحمل الغير على فعل لا يرى هو خيراً فى أن يفعله، فإن الله لم يكره خلقه على اعتناق دين من الأديان، وأنه تعالى كان من الممكن أن يقهر الإنسان المختار، كما قهر السموات والأرض، ولا أحد يستطيع أن يعصى أمره ولكنه عز وجل يريد أن يعلم من يأتيه محباً مختاراً وليس مقهوراً فإن المجيء قهراً يُثبت له تعالى القدرة ولا يُثبت له المحبوبية لكن من يذهب له طواعية وهو قادر على ألا يذهب، فهذا دليل على الحب، فإن الله تعالى لو كان يُكره الناس على الإيمان به ما كان أرسل إليهم الرسل. وبين إمام الدعاة أن الآية الكريمة توضح الفرق بين القهر على الدين والقهر على مطلوب الدين: فمثلاً تقول لمسلم: لماذا لا تصلي؟ يقول لك «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ»، ويدعي أنه مثقف ويأتيك بهذه الآية ليلجمك بها فتقول له: لا" لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" عقيدة وإيماناً إنما إن آمنت وأعلنت أنك آمنت بالله وصرت معنا مسلماً فلا بد أن تعرف أنك إن كسرت حكماً من أحكام الإسلام نطلب منك أن تؤديه، أنت حر أن تؤمن أو لا تؤمن لكن حين التزمت بالإيمان فعليك مسئولية تنفيذ مطلوب الإيمان، وإلا حسب تصرفك أنه من تصرفات الإسلام، فإذا كنت تشرب خمراً فإنك حر؛ لأنك كافر مثلاً، لكن أتؤمن ثم تشرب خمراً!؟ لا. فأنت بذلك تكسر حداً من حدود الله، وعليك العقاب. وأضاف الشعراوى، فى تفسير الآية أن المراد من قوله تعالى: «قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ»، الرشد والغى هما: طريق النجاة وطريق الهلاك فإن المتكبرين لايرون طريق النجاة وإن رأوه فلن يسيروا فيه وإن شاهدوا طريق الضلال سلكوا فيه لأنهم يكذّبون بآيات الله ويغفلون عنها. وتابع: و"الطَّاغُوتِ" هى المبالغة فى الطغيان وله عدة إطلاقات: فيطلق على الشيطان، وعلى الكاهن، وعلى الساحر، وعلى الحاكم، وهذا الوصف يدل على أن الموصوف به هو من تُزيده الطاعة له طغياناً ثم يزيد فى الأمر حتى يصير طاغية فالذين يجتنبون الطغيان هم الذين يتوجهون بالعبادة الخالصة لله ولهم البشرى». وأشار الشعراوى، إلى أن فى قوله تعالى: «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، كلمة اسْتَمْسَكَ" تدل على أن فيه مجاهدة فى المسك فعندما يستمسك الإنسان بالعلاقة الوثيقة، التى هى الدين والإيمان بالله، وما دامت هى الدين وحبل الله فهى وثقى ولا انفصام لها فهذه الآية توحى بأن عملية الطاغوت ستكون دائماً وسوسة من الشيطان الذى يُغرى بالكلام المعسول فإن الله تعالى سميع لأقوال عباده عليم بكل أفعالهم.