قالت دار الإفتاء، إن كلمة «العَلَم» فى اللغة له عدة معانٍ، ولكن المراد منه هنا: هو خصوص الراية التي هى الآن رمزٌ للوطن وعلامةٌ للدولة، واعتبار العلم رمزًا كان معروفًا عند العرب قبل الإسلام، لا سيما في الحروب وقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخذ الراياتِ والألويةَ والأعلامَ، وعقد عليه المحَدِّثون أبوابًا في كتبهم، فقالوا: "باب في الرايات والألوية" «سنن أبي داود»، "باب ما جاء في الألوية" «سنن الترمذي»، "باب ما جاء في عقد الألوية والرايات" «سنن البيهقي»، ونحوه. وروى الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس "رضى الله عنهما" قال: «كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ»، وروى أبو داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم - رضى الله عنه - قال: «رَأَيْتُ رَايَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَفْرَاءَ»، وروى أحمد وابن ماجه عن الحارث بن حسان البكري -رضى الله عنه- قال: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَبِلالٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَلِّدٌ بِالسَّيْفِ, وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، فَسَأَلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ فَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ»، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/ 127، ط. دار المعرفة): «كان رسول الله في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواءً يقاتلون تحته». وأضافت الإفتاء فى فتوى لها، أن الدلالة الرمزية للأعلام والرايات، أنه جرت العادة بأن يعمد العدو إلى ضرب حامل الراية وإسقاطه قبل غيره؛ ليثبط من عزيمة الجيش، فمتى كان العَلَم مرفوعًا كان ذلك دالا على العزة والقوة والصمود، ومتى نُكِّس وسقط كان ذلك دالا على الهزيمة والذل والانكسار، وفي المقابل كان يحرص حامله على إبقائه مرفوعًا ولو بذل في سبيل ذلك نفسَه وروحَه، لا لخصوص تعظيم القماش، بل لما يرمز إليه. وأكدت أن تحية العلم بنحو الإشارة باليد بهيئة معينة، أو الهتاف بالدعاء عند رفعه بأن تحيا البلاد، هو من قبيل الحركة أو الكلام، وإلف ذلك وتكراره -كما هو الحاصل- يجعله من العادات؛ والأصلُ فيما كان كذلك الإباحةُ، ما لم يرد دليل على المنع. قال تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: 119]. وروى الترمذي عن سلمان -رضى الله عنه- أن رسول الله قال: «الْحَلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ». وبينت الإفتاء أن هذه الممارساتِ والأفعالَ هى مما ارتبط عند الناس بحب الأوطان، وتواضعوا على دلالتها على ذلك، فصارت بذلك وسيلةً عامةً للتعبير عن حب الأوطان وإظهار الانتماء وتأكيد الولاء، وقد تقرَّر في قواعد الشريعة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا كان حب الوطن من المطلوبات الشرعية كما هو متقرر في أدلة الشريعة، فإن وسيلتَه الجائزةَ في أصلها تكون كذلك مشروعةً مطلوبةً، ويتأكد ذلك إذا كان عدمُ القيام أمارةً عند الناس على عدم الاحترام.