أثار فشل المشروع الفلسطيني الذي تم تقديمه بالأممالمتحدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الكثير من الجدل وردود الأفعال على الساحة الدولية، وطرح العديد من التساؤلات أهمها لماذا قدم المشروع في هذا التوقيت رغم أن تركيبة مجلس الأمن ستتغير خلال الأسبوعين المقبلين وسيدخل عدة دول داعمة للقضية الفلسطينية، وما السبب الرئيسي في تغير الموازيين قبل التصويت والخيارات المطروحة للسلطة بعد العرقلة في أولى الخطوات الأممية. في الحقيقة ذهاب السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال أفتقر للدعم من ناحيتين أولًا العدد الكافي من الدول الأعضاء في المجلس والثاني الافتقار في الوقت نفسه إلى الدعم الشعبي الفلسطيني بعدما أعلنت فصائل فلسطينية أساسية تحفظها على نص مشروع القرار، وركزت القيادة انتباهها على المرحلة التالية لردود الأفعال الدولية على قرار الانضمام ومحاولة التحرك دبلوماسيًا لدعم المشروع من دون بذل جهد كاف أيضًا لإقناع الفصائل وحشد الدعم للمشروع وبالتالي كان التحرك للمنظمة الدولية ناقص عمليًا، فتوحد الفلسطينيين كان سيعطي لحراكهم زخما ومصداقية أكبر، وربما كان سيضغط على حكومات دول امتنعت عن التصويت في الأممالمتحدة. ركزت القيادة الفلسطينية جل اهتماماتها على تركيبة الأممالمتحدة الأخيرة بعد محاورات ومشاورات دبلوماسية استمرت أكثر من شهرين، تأكدت من خلالها على تأييد 9 دول للقرار، ولكن انقلبت الموازيين حيث حصل مشروع القرار على تأييد ثمانية دول ثلاثة من الدول الدائمة منها فرنسا والصين وروسيا، في حين صوتت ضده الولاياتالمتحدة ، بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت. وصوتت ضد مشروع القرار إضافة إلى الولاياتالمتحدةأستراليا، وكلاهما حليف وثيق لإسرائيل، أما الدول الخمس الأخرى التي أيدت مشروع القرار فهي الأردن والأرجنتين وتشيلي وتشاد ولوكسمبورغ، في حين أن الدول الأربع التي انضمت إلى بريطانيا في الامتناع عن التصويت هي ليتوانيا وكوريا الجنوبية ورواندا ونيجيريا. فيما رأى بعض المحللون والمتابعون الفلسطينيون أن تغير تركيبة مجلس الأمن كانت لصالح المشروع الفلسطيني بعدما يتم استبدال أستراليا ورواندا، صديقتي إسرائيل، بفنزويلا وماليزيا الداعمين للقضية الفلسطينية. العوامل التي أدت إلى تغير الموازيين داخل أروقة مجلس الأمن لصالح إسرائيل ذكرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية والتي قالت « إن نتائج التصويت في مجلس الأمن لم تأت نتيجة مساعدة واشنطن فحسب، وإنما هي نتيجة لسياسة الخارجية الإسرائيلية في جعل أفريقيا هدفا للجهود الدبلوماسية، والذي تجلى في امتناع رواندا ونيجيريا عن التصويت. واشارت الصحيفة الى زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيجدور ليبرمان" لأثيوبيا وكينيا وغانا ونيجيريا وأوغندا في (سبتمبر) 2009، وفي (يونيو) 2014 زار رواندا وساحل العاج وغانا وأثيوبيا وكينيا. وكتبت الصحيفة أن هذه الزيارت لأفريقيا لها أهمية تاريخية منذ تولي «جولدا مئير» وزارة الخارجية، حيث كان لدى إسرائيل في حينه 27 ممثلية في إفريقيا، مقابل 10 ممثليات اليوم، مشيرة أن الدولة الأهم في التصويت كانت نيجيريا، حيث أنها الدولة التاسعة التي كان يفترض أن توفر للفلسطينيين الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمن، بيد أنها غيرت موقفها من التأييد إلى الامتناع، علما أنها كانت تصوت تلقائيا إلى جانب الفلسطينيين في السابق. وأشارت الصحيفة الصهيونية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي كان على قناعة بوجود أغلبية لدى الفلسطينيين، وأن الولاياتالمتحدة بالتالي ستضطر لاستخدام حق النقض، بيد أن المكالمة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» مع الرئيس النيجيري "جوناثان جودلاك" ومع رئيس رواندا "بول كاغامي" هي التي حسمت الموقف. كتبت الصحيفة أن الرئيس النيجيري يعتبر صديقا لإسرائيل، كما أنه زار إسرائيل مرتين خلال العام الأخير، كان آخرها قبل شهرين للمشاركة في حفل ديني ل 3000 مهاجر يهودي من نيجيريا، فضلًا أن إسرائيل باعت لنيجيريا أسلحة في الوقت الذي فرضت فيه الولاياتالمتحدة حظر بيع الأسلحة لها، في المقابل ذكرت الصحيفة الصهيونية أن موقف رواندا الامتناع عن التصويت لم يكن مفاجئًا ، حيث يوجد علاقات جيدة لها مع الاحتلال الإسرائيلي. ويرجعنا حديث الصحيفة الإسرائيلية إلى خطر التغلل الإسرائيلي في إفريقيا وتأثير ذلك على القضايا التي تهم الشرق الأوسط خاصة الفلسطينية ومدى تراجع الدور العربي في أفريقيا. وفيما يخص الخيارات المتاحة للسلطة فإنها تشير إلى أن "الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد فبعد فشل المشروع الفلسطيني وقع الرئيس أبو مازن على معاهدة روما ومعاهدات دولية أخرى، ما يعني تقديم دعاوى ضد قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين لمحاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب في الضفة وغزة والقدس. الاستراتيجية الفلسطينية التي تؤيدها جل الفصائل هي «تسليم السلطة الفلسطينية» لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتحميل إسرائيل مسئوليتها كدولة محتلة.