الحروب مضيعة رهيبة للأرواح والموارد، لهذا السبب تعارضها معظم شعوب العالم باستثناء الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تفضلها، حيث يتعلق ذلك بعدة أسباب نفسية،أو ربما لاعتقاد واشنطن بأن الحرب مهمة قد بدأت ولسبب غامض لم تكتمل، مثلما يعتقد الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الأبن، والذي بدأ والده حرب الخليج عام 1991 ولم تنته بعد. دوافع النفسية وفي هذا السياق، يقول موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي إن هناك أسباب أخرى كامنة تفسر الموقف الأمريكي تجاه الحروب، موضحا أن حرص الرئيس "بوش" الأبن على خوض الحرب ضد العراق في عام 2003 أمر يتعلق بنفسيته، ولكن أيضا القرار يتعلق بنظام الرأسمالية الأمريكي، حيث دون حروب باردة أو دافئة لن يتمكن من تحقيق النتيجة المتوقعة في شكل أرباح، والتي تعتبرها الولاياتالمتحدة حقا مكتسبا لها. ويضيف الموقع أن قوة كبيرة من الرأسمالية الأمريكية هي أيضا جزء كبير من ضعفها، حيث إن التطور التاريخي للنظام الاقتصادي الدولي الذي نسميه الرأسمالية أفرز عددا من عوامل زيادة الإنتاجية بشكل كبير، على سبيل المثل ميكنة عمليات الإنتاج التي كانت في انجلترا في وقت مبكر من القرن ال18، وفي أوائل القرن ال20، تقدمت الصناعة الأمريكية وقدمت بشكل حاسم أتمه العمل بتقنيات جديدة مثل "خط التجميع"، وكان الابتكار الأخير الذي قدمه "هنري فورد" صاحب علامة السيارات "فورد"، وأصبحت تلك التقنيات معروفة باسم الفوردية، وارتفعت إنتاجية الشركات الأمريكية بشكل مذهل، وتحولت طريقة التصنيع بالتجميع إلى حركة صناعية عامة لأن استخدامها انتقل إلى معظم الصناعات وخصوصا الميكنة، ترتبط هذه الطريقة بحركة الحداثة. عشرينيات القرن الماضي وعلى سبيل المثال، خلال فترة العشرينيات من القرن الماضي، توالت صناعة المركبات التي لا تعد ولا تحصى من خطوط التجميع في مصانع السيارات من ولاية ميتشغان يوميا، ولكن هل كان من المفترض شراء كل تلك السيارات؟، معظم الأمريكيين في ذلك الوقت لم يكن لديهم أموال كافية لشراء مثل هذا المنتج، كما أن المنتجات الصناعية الأخرى غمرت الأسواق، وكانت النتيجة ظهور التنافر المتزايد بشأن العرض والطلب، وهكذا نشأت الأزمة الاقتصادية المعروفة باسم الكساد الكبير، كانت في الأساس أزمة فيض الإنتاج، انفجرت المستودعات بالسلع غير المباعة، وتوقفت المصانع عن العمل، انفجرت نسبة البطالة، وانكمشت القوة الشرائية للشعب الأمريكي، مما جعل الأزمة أكثر سوءا. الكساد الأمريكي ويشير الموقع إلى أنه لا يمكن إنكار أن أزمة الكساد الأمريكي والتي انتهت فقط بسبب الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفع الطلب الاقتصادي بشكل مذهل حين بدأت الحرب في أوروبا، والولاياتالمتحدة نفسها لم تكن مشاركا نشطا قبل عام 1942، فقد انتجت واشنطن كميات غير محدودة من معدات الحرب، وبين عامي 1940 و1945، صرفت الدولة الأمريكية ما لا يقل عن 185 مليون دولار على هذه الأجهزة، وبالتالي ارتفعت حصة النفقات العسكرية من الناتج القومي الإجمالي بين عامي 1939 و1945 من 1.5% إلى 40%، بالإضافة إلى ذلك زودت الصناعة الأمريكية كميات هائلة من المعدات للبريطانيين وحتى السوفيت عن طريق الإعارة والتأجير، وفي ألمانيا، انتجت فروع فورد وجنرال موتورز كل أنواع الطائرات والدبابات وغيرها من الألعاب القتالية للنازية، بينما كانت المشكلة الرئيسية في الكساد العظيم هو اختلال التوازن بين العرض والطلب، وهكذا تم حلها من خلال الطابع العسكري. ويلفت الموقع إلى أنه على الرغم من شعور الأمريكيين العاديين بالخطر إلا أن الانفاق العسكري رفع الأجور أكثر من أي وقت مضى، ووصل البؤوس المرتبط بالكساد العظيم إلى نهايته وحقق الأمريكيون درجة غير مسبوقة من الازدهار، ومع ذلك، كان أكبر المستفيدين حتى الآن من الطفرة الاقتصادية في زمن الحرب رجال الأعمال والشركات في البلاد، حيث أدركوا الأرباح الاستثنائية. الأرباح العسكرية ويوضح الموقع أن نحو 60 شركة حصلوا على 75% من الأرباح العسكرية، مثل فورد، وآي بي إم، وتلك الأخيرة زادت مبيعتها السنوية بين عامي 1940 و1945، من 46 إلى 140 مليون دولار، بفضل الأوامر المتعلقة بالحرب، وارتفعت أرباحها بناء على ذلك، كما استغلت الشركات الفوردية خبراتها على أكمل وجه لدفع عجلة الإنتاج. كانت هنك حاجة للمزيد من المعدات، ومن أجل الإنتاجية احتاجت الولاياتالمتحدة لمصانع جديدة وتكنولوجيا أكثر كفاءة، ولكن مع انتهاء الحرب قررت واشنطن تخليص نفسها من هذه الاستثمارات، وباعتها بقيمة أقل من النصف. الرأي العام ويقول الموقع الكندي إن الرأي العام الأمريكي انشغل بالحرب ونسي العمالة الكاملة والأجور العالية، أما الأثرياء الأمريكيون أدركوا تماما وبطريقة رائعة كيف ولدت هذه الحرب المال لأنفسهم وشركاتهم، كما أنه استغل أيضا رجال الأعمال الأغنياء، والمصرفيين وشركات التأمين وكبار المستثمرين الآخرين بأن واشنطن اقترضت المال اللازم لتمويل الحرب، وبالتالي الشركات الأمريكية استفادت أيضا من الحرب عن طريق الاستيلاء على حصة الأسد من المصالح الناتجة عن شراء سندات الحرب الشهيرة، ومن الناحية النظرية،على الأقل، الأغنياء والأقوياء الأمريكيون هم أبطال ما يسمى بالاقتصاد الحر، و يعارضون أي شكل من أشكال تدخل الدولة في الاقتصاد. الحرب والمال ويرى الموقع أنه خلال الحرب العالمية الثانية، تعلم الأثرياء وأصحاب الشركات درسا مهما جدا، وهو "طالما هناك حرب فهناك المزيد من المال"، وبعبارة أخرى، فإن الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي يمكن أن يكون أكثر كفاءة خلال مواسم الحرب أكثر من السلام، وبالتالي ظل الأمريكيون الأثرياء واعين بشكل كبير لتلك النقطة، وظهر سليلهم "جورج بوش" الأبن في البيت الأبيض من أجل تعزيز مصالح أسرته الثرية وأصدقائه وزملائه في الشركات الأمريكية، كان ذلك في عام 2003. ومع مشارف انتهاء الحرب العالمية الثانية، أدركت الشركات الأمريكية أن مصدر ربحها على وشك الانتهاء، مما شكل لها أخبارا حزينة، بحث الاقتصاديون عن سبب جديد لزيادة نفقات الدولة العسكرية لتحقيق مصدر ربح عال، حيث هناك حاجة ماسة إلى أعداء جدد بعد هزيمة ألمانيا واليابان، فظهر الاتحاد السوفيتي الذي بعد ذلك كان بمثابة "البعبع" للولايات المتحدة نتيجة لأفكاره الشيوعية، وقد أعترف معظم المؤرخون الأمريكيون أن الاتحاد السوفيتي البلد الذي عانى كثيرا خلال الحرب في عام 1945 لم يشكل تحديا كبيرا عسكريا واقتصاديا لواشنطن في بداياته، بل تعاون لفترة مع الولاياتالمتحدة. الحرب الباردة لم تتمكن موسكو من خسارة أو كسب شيء نتيجة لصراع القوى العظمى، ومع تصنيع الولاياتالمتحدة للقنبلة الذرية، احتاجت الشركات الأمريكية لعدو جديد لابقاء عجلة الاقتصاد دائرة بأقصى سرعة للحفاظ على هوامش الربح المطلوبة أو بالأحرى زيادتها، وهذا هو سبب انطلاق الحرب الباردة عام 1945، ليس من قبل السوفيت ولكن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، للاستفادة من الحرب الاقتصادية. وبهذا الصدد، تجاوزت الحرب الباردة أعلى توقعاتهم، حيث المزيد والمزيد من المعدات العسكرية وتطوير الدبابات والسلاح والصواريخ والأسلحة البكتريولوجية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيميائية، ولهذا السبب كان البنتاجون على استعداد لدفع المبالغ الضخمة دون توجيه الأسئلة الصعبة. الأثرياء أكثر المستفيدين ويضيف "جلوبال ريسيرش" أن الأمريكيين الأثرياء استفادوا من الحرب الباردة، وواصلت أرباح الأسهم المدفوعة على السندات الحكومية الاستحواذ على نصيب الأسد، ولكن من قبل العمال الأمريكيين والطبقة الوسطى، فخلال الحرب العالمية الثانية لم تكسب الطبقة الوسطى أي شيء، ولكن خلال الحرب الباردة أصبحوا أكثر ثراء، بينما أصبح الفقراء أكثر فقرا. تلاشت الحرب الباردة في عام 1989، مع معاناة نحو 13% من الأمريكيين من الفقر وفقا للمعاير الرسمية، واستمر الوضع في التدهور حتى وصل الآن إلى أن 1% فقط من الأمريكيين يمتلكون ما لا يقل عن 34% من ثروة البلد الكلية، فالثروة كانت ولازالت موزعة بشكل غير متساو. صدام حسين تيمت الشركات الأمريكية بالعدو السوفيتي، وحين رحل كان هناك حاجة ماسة لاستحضار أعداء جدد، وفي هذا السياق عام 1990 ظهر الرئيس العراقي الراحل "صدام حسين" وكأنه نوع خارق، في البداية ظهر كصديق جديد للأمريكيين دججته واشنطن بالسلاح ليتمكن من شن حرب ضد إيران، وفجأة حولته واشنطن إلى "هتلر" جديد، وظهرت بحاجة لشن حرب ضد "صدام" على وجه السرعة. ويشير الموقع إلى أن النفقات العسكرية الأمريكية زادت بشكل لا هوادة فيه خلال فترة التسعينيات، مع وجود "جورج بوش" الأب في الرئاسة، حيث كان الوكيل الذي أطلق العنان لحرب الخليج، وبعدها كان الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفيتي، حيث وصل الانفاق العسكري إلى 265 مليون دولار. أمريكا تبحث عن عدو بدأت الولاياتالمتحدة تبحث عن عدو جديد بعد "صدام" حتى وصلت إلى الصومال والتي كانت مرسى مؤقت، ولكن في الوقت المناسب تم تحديد "هتلر" جديد في شبه جزيرة البلقان في شخص الزعيم الصربي "ميلوسوفيتش"، وظهرت النزاعات في يوغوسلافيا وبذرائع تدخل عسكري وعمليات قصف واسعة النطاق، وشراء المزيد من أحدث الأسلحة. وبعد أن قفز "جورج بوش" الأبن إلى الرئاسة أعلن أن الصين هي عدو الولاياتالمتحدة الجديد، ولكن الصراع مع تلك الدولة كان محفوفا بالمخاطر نظرا لأن جميع الشركات الأمريكية الكبرى لها تجارة ضخمة مع بكين، ولكن للحفاظ على النفقات اتت هجمات 11 سبتمبر 2001، وبالفعل كانت الشركات قادرة على الاستفادة منها تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. الحرب على أفغانستانوالعراق ومن هنا انطلق "بوش" الأبن بالحرب على أفغانستانوالعراق في عام 2003، كانت الأسباب الرئيسية للحرب ضد "صدام" هي احتياطات النفط العراقي الضخم، ولكن تلك الحرب كانت مفيدة لدول العالم الثالث التي ترقص على أنغام واشنطن، والتي تستخدمها الإدارة الأمريكية كأداة لاضعاف رئيس غير منتخب كان يوما في قارب الأمريكيين أنفسهم. عصر جديد من الحروب الأمريكية وأوضح الموقع أنه بعد حصول الولاياتالمتحدة على كل تلك الثروة وامتيازات الحرب، أشار "بوش" الأبن إلى ما أسماه بمحور الشر الذي يجب مقاومته والمتمثل في إيران، سوريا، ليبيا، الصومال، وكوريا الشمالية التي تعد الشوكة القديمة في الجانب الأمريكي. واختتم "جلوبال ريسيرش" تقريره قائلا "مرحبا بكم في القرن الحادي والعشرين، عصر جديد من الحروب الأمريكية الدائمة".