تناولت مؤلفاتها بشكل نقدي ظروف الحياة في سويسرا، خاصة في بداية عصر التصنيع والرأسمالية في القرن التاسع عشر، وتدور معظم قصصها حول مصائر الأطفال والنساء الشابات، الذين يجدون معاناة كبيرة في الحياة، ولم تكن معالجة هذا الموضوع ينظر إليه كموضوع أدبي فقط، وإنما كان كموضوع أساسي في الفكر الاجتماعي الاشتراكي. يوهانا شبيري، الأديبة السويسرية، التي تمر اليوم ذكرى وفاتها، تعد من أشهر كاتبات قصص الأطفال في القرن التاسع عشر، كما أنها مبتكرة شخصية «هايدي» الشهيرة. كانت يوهانا الطفلة الرابعة بين ستة من الأطفال أنجبهم الطبيب يوهان ياكوب هويْسر، وزوجته الشاعرة ميتا هويْسر شفايتسر، نشأت في قرية هيرتسل، وهي قرية تقع في مقاطعة زيورخ السويسرية، تزوجت في عام 1852 من محام منح فيما بعد لقب كاتب المدينة، وهو يوهان برنارد شبيري. نشرت أول أعمالها الأدبية في عام 1871، قصة بعنوان "ورقة على قبر فروني"، وفي عام 1880 نشرت قصتها الشهيرة "سنوات تعلم وتجوال هايدي"، التي حظيت بشهرة ونجاح عالميين، ثم نشرت الجزء الثاني منها بعد عام واحد بعنوان "هايدي يمكن أن تحتاج إلى ما تعلمته"، ويحظى الكتاب برواج وشعبية حتى الآن، وقد قيل أنه أكثر الكتب ترجمة في العالم بعد الإنجيل والقرآن، وقد حول إلى فيلم أكثر من مرة. هايدي واحدة من أكثر الروايات مبيعًا على الإطلاق ومن أشهر أعمال الأدب السويسري، وقد ترجمت من الألمانية إلى 50 لغة أخرى، وتحكي الرواية عن حياة فتاة صغيرة اسمها هايدي، كانت تعيش مع جدها في جبال الألب السويسرية في كوخ بعيد عن القرية، احتضنها الجد بالرعاية فعاشت في ظله أحلى سنين عمرها، ثم شاء القدر أن ترسل إلى فرانكفورت لتعيش مع أسرة ثرية كرفيقة لابنتهم كلارا البالغة من العمر اثني عشر عامًا. في ذكرى وفاة «يوهانا شبيري»، ننشر واحدة من الدراسات النقدية التي تناولت قصتها الشهيرة، بقلم غانيا آدامو، وترجمها من الألمانية محمد شريف: «لم يؤثر مرور السنين على أسطورة السويسرية التي ذاع صيتها في العالم، هذه الطفلة من منطقة غراوبوندن التي أبصرت النور من خلال قلم الكاتبة السويسرية الناطقة بالألمانية يوهانا شبيري في عام 1880. تتصدر هايدي قائمة ترتيب الشخصيات السويسرية الكبرى، بل تتقدم على الشخصية الأسطورية ويليام تيل. فهي تحظى بشهرة أكثر منه في الخارج، كما تعتبر بمثابة أحسن سفير لسويسرا في القارات الخمس. وفي الواقع، لا يوجد بلد من أوروبا إلى آسيا مرورا بالأمريكيتين، لم تُعرض على شاشته الصغيرة أو الكبيرة، أفراح وأتراح الطفلة اليتيمة التي كانت تقطن في بيت جدّها في جبال الألب، في كانتون غراوبوندن جنوب شرق سويسرا. لقد تم تناول أو إعادة معالجة قصة هذه الشخصية المرموقة في أدب الأطفال من قبل عالم الأدب، والسينما، والمسرح، والسياسة، والفكاهة، والإنترنت، بل حتى من طرف القطاع التجاري. وكما هو معلوم فإن قصة هايدي كانت من إبداع يوهانا شبيري، الكاتبة السويسرية المتحدثة بالألمانية في عام 1880. ومنذ موفى القرن التاسع عشر ، لم يتراجع الإعجاب بهذه البطلة الصغيرة من كانتون غراوبوندن، رغم أن قصة هايدي لا تمت بصلة إلى بالأساطير والخرفات. فما السبب في استمرار هذا النجاح لحد الآن؟ الكاتب جون – ميشال فيسمر من جنيف حاول الإجابة على هذا التساؤل من خلال كتابه "هايدي، تحقيق في أسطورة سويسرية غزت العالم"، وهو يرى أن مبررات هذا الإقبال الدولي تعود، ولو جزئيا، إلى التعلق بحماية الطبيعة الذي كان كتاب يوهانا شبيري قاعدة انطلاق له. وفي حديث إلى swissinfo.ch، يقول فيسمر: "إن الإقبال على قصة هايدي اليوم مرده إلى كونها تجسّد الإحساس بالطبيعة، وهذا في وقت لم يكن أحد يتحدث عن ذلك، وهو ما ينسجم مع التوجه السائد اليوم عن مقومات الظروف الصحية الجيدة، فهناك اليوم محاولة للترويج بكل الوسائل لعالم الجبال حيث الهواء النقي، والزهور البديعة، وحيث تسطع الشمس في رونق أجمل". تُضاف إلى ذلك الرسالة الدينية التي يحتوي عليها الكتاب والتي يمكن اختزالها في معنى "حبّ الآخر". ولكن – مثلما يقول الكاتب السويسري فيسمبر- فإن "هذا الجانب تم التخلي عنه في عدة ترجمات لكتاب هايدي، مخافة إضفاء الطابع التقليدي القديم على الطبعة الجديدة"، وأضاف قائلا: "لكننا نحتاج اليوم في مجتمعاتنا المشتتة إلى هذه القيم التقليدية التي تقدم لنا هايدي بصورتها الحقيقية". "بالإمكان اعتبار هايدي شخصية إنسانية لحد تعليق شارة الصليب الأحمر على ذراعها"، مثلما يقول مبتسما، جيرار دوميار، المخرج السويسري أصيل كانتون فُو الذي قام قبل عشر سنوات بالإشراف على الإخراج المسرحي لحياة هذه البطلة القادمة من كانتون غراوبوندن الجبلي. وفي حديث مع swissinfo.ch، قال دوميار: "إن قصة هايدي مرتبطة بمجالين: منطقة جبال الألب، وذاكرة السويسريين". فبالنسبة للأولى فإن "العالم بأكمله يغبطنا على ذلك لأن الجمهور الدولي عند زيارة جبال الألب يطلق العنان لتصوراته بخصوص جمال الطبيعة"، أما المجال الثاني فهو "محلي، ومرتبط بشعورنا الإنساني، ويعمل على إثارة الإعجاب لدى الكثيرين"، على حد قول المخرج السينمائي. وفي الواقع، لا يمكن للقارئ أو للمتفرج أن يتجاهل مشاعر الحب والمودة اللذان تبديهما هذه الطفلة الصغيرة، الفقيرة واليتيمة، لمن حولها، وهي التي سافرت الى ألمانيا من أجل مساعدة الطفلة كلارا البالغة من العمر 12 عاما والغنية ولكن المصابة بالشلل. فقد وجهت هايدي فيما بعد دعوة لكلارا لكي تزورها في سويسرا من أجل صرفها عن التفكير في متاعبها. ومع أن هذا التصرف يتسم بالشجاعة إلا أن المخرج السويسري ماركوس إيمبودن يعزوه إلى "شفقة نابعة من تفكير ساذج". فقد حاول في شريط "هايدي" الذي أنجزه سنة 2001، تلوين الشعر الأشقر للبطلة باللون الأزرق. فهل فعل ذلك لكي يجعل منها بطلة من فئة البونك؟ "كلا على الإطلاق"، يجيب ماركوس إيمبودن كلما وُجّه له السؤال اليوم. وفي حديث مع swissinfo.chقال إيمبودن: "إن الشريرة كلارا هي التي شوّهت منظر هايدي بهذا اللون الأزرق الرهيب، لأنها كانت تغار منها. وبذلك تكون السويسرية قد ذاقت من أذى الألمانية. والحكمة من وراء هذه القصة هي أن عليكم أعزائي السويسريين والسويسريات حماية أنفسكم مما قد يجلبه لكم لون شعركم الأشقر". من غير المهم أن يكون ذلك بمثابة رسالة تحمل شعورا وطنيا، أم أنها مجرد سخرية، لأن الواقع يشير إلى وجود إقبال على هايدي من طرف عالم السياسة ومن جانب المجتمع الإستهلاكي أيضا. فقد أصبحت هذه الشخصية وسيلة دعم لتسويق مواد غذائية (مثل الزبادي) أو ملابس (مواقع بيع على شبكة الإنترنت). كما يمكنها من ناحية أخرى أن تتحول خلال المناسبات الوطنية إلى تعبير جديد عن المعايير الشخصية لسويسرا. فعلى سبيل المثال، حدث أثناء الإقتراع الأخير الذي أجري يوم 17 يونيو 2012 بخصوص المبادرة الشعبية الداعية إلى الحد من منازل الإقامة الثانوية المشيدة في المناطق الجبلية، أن تساءل بعض أنصار المبادرة "عمّا إذا كانت هايدي لتتعرف على وطنها الأصلي لو عادت اليوم؟". وإذا ما تركنا سويسرا جانبا، نجد أن كلا من اليابان والولايات المتحدة وفرنسا، قامت بتكييف أسطورة هايدي مع ثقافاتها المحلية. وفي هذا السياق، يُشدّد جون ميشال فيسمر على أن اليابانيين يجدون في هايدي "انعكاسا لشخصيتهم بسبب إحساسها بالطبيعة، وأيضا لحبها للنظام والإستقامة". لقد تم تفصيل دمى في صورة هايدي بالعشرات، كما أنجزت أفلام سينمائية كثيرة عنها، وأول شريط عنها كان أمريكيا في الواقع. الفيلم الذي يمكن وصفه بالأسطوري أنجز في عام 1937 من قبل المخرج آلان دوان، ولعبت فيه الممثلة الشابة شيرلي تيمبل دور هايدي. ويقدم مقطع في موقع يوتوب لقطة ممتعة للغاية، تُظهر هايدي، جذابة ومبتسمة تحت قبعتها. "فالأمريكيون، وبالأخص من يرغبون منهم في رؤية الجوانب الإيجابية فقط، يستهويهم فيها جانبها المتفائل"، مثلما يقول فيسمر الذي يضيف "لقد افلتت هايدي كلية من رقابة الكاتبة يوهانا شبيري، لذلك تحولت الى أسطورة تنافس حتى هاري بوتر. فهي تحولت إلى بطلة أزاحت مؤلفة قصتها بعيدا عن الأضواء". ومع أن عددا قليلا من الناس يعرف اليوم من هي يوهانا شبوري، لكن روايتها "هايدي" تُرجمت إلى خمسين لغة. وهو يعتبر بعد الإنجيل، وكتاب "دون كيشوط" الكتاب الأكثر ترجمة إلى مختلف لغات العالم. وفي سويسرا نفسها، شجع عملها الأدبي مستثمرين على إنشاء منطقة سياحية تحمل اسم "هايدي لاند" في منطقة راين تال، وهي عبارة عن إمارة تعكس الأصالة والبساطة والشعور بالسعادة.