بموافقة غالبية الشعب المصري على دستور 2013 سواء أكان دستورا جديدا كلية أم مجرد تعديل لدستور 2012، فقد نجح شعب 30 يونية-3 يوليو (2013) في فرض إرادته في التغيير الحقيقي على الذين سلبوا ثورته التي اندلعت في 25 يناير وانحرفوا بها في طريق الأجندة الأمريكية العالمية-الإسرائيلية التي تسعى لتفكيك الوطن وتقسيمه، وإخفاء الرابطة العربية إلى الأبد حتى تنفرد إسرائيل بالشرق الأوسط بعد "تجديده" بنسمات الربيع الأمريكي. والتزاما بأهداف ثورتي يناير (2011) ويونية (2013) التي رفع الشعب فيهما شعار الحرية والخبز والكرامة والعدالة يبدأ التحدي الحقيقي الذي يواجه الأمة بعد إقرار الدستور حتى لا تتجدد الثورة مرة أخرى. وهذا التحدي يبدأ من الشعب الذي عليه أن يختار الرئيس القادم ممن يتوسم فيه القدرة على تحقيق المبادىء الدستورية الخاصة بالعدالة والمساواة والتكافل، حتى تهدأ النفوس وينصرف الجميع إلى العمل من أجل البناء والتنمية. وعلى الرئيس أن يختار رئيسا للوزراء يتوسم فيه القدرة على تحقيق ذات الهداف، ثم يأتي دور الشعب مرة أخرى حين ينتخب أعضاء البرلمان من بين المؤهلين فكريا ونفسيا للتقدم بمشروعات القوانين اللازمة لتفعيل مبادىء العدالة والمواطنة لتستقيم مع مبادىء الدستور وقواعده، حتى نتجنب موجة احتجاجات جديدة ونبكي على اللبن المسكوب أو نعض أصابعنا ندما على تأييدنا. وفي مقدمة هذه التحديات السعي لإعمال المادتين 8-9 من الدستور المنصوص عليهما في الفصل الأول "المقومات الاجتماعية" من الباب الثاني "المقومات الأساسية للمجتمع" حيث تنص المادة (8) على "أن المجتمع يقوم على التضامن الاجتماعي وأن الدولة تلتزم بتحقيق العدالة الاجتماعية بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين .."، والمادة (9) التي تنص على التزام الدولة "بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز". وتحقيق هاتان المادتان وتفعيلهما يعني العودة إلى دور الدولة "الكفيلة"، وهذا لا يتأتى إلا بتوجيه اقتصاديات البلاد نحو التنمية الذاتية بكل أركانها لمنع الاستيراد إلا لمستلزمات الإنتاج حتى نوفرها محليا وذلك عن طريق توظيف البحوث العلمية المتوفرة في مختلف مراكز البحث العلمي في مصر وما أكثرها بدلا من ركنها على رفوف المكتبات وحصول أصحابها على مكافآت مالية أو ترقية مهنية. وإذا ما نجحنا في هذا، وهو أمر ليس صعبا أو مستحيلا، سوف نستغني عن شروط صندوق النقد الدولي التي تضرب العدالة في مقتل حين يشترط "رفع الدعم عن السلع الإستهلاكية" وليس السلع الاستفزازية مثلا، ويسمي ذلك القتل ب "الإصلاح الاقتصادي". ومن عجب أن يجد الصندوق في مصر من يستجيب لشروطه منذ فعلها السادات ابتداء من منتصف يونية 1974، بعد لقاء مع مدير الصندوق في مارس 1974 وكانت أول نتائج الاستجابة الإعلان عن رفع الدعم عن أسعار سلع أساسية ليلة 18 يناير 1977 فكانت انتفاضة الجماهير يومي 18-19 يناير التي وصفها السادات بانتفاضة "الحرامية". وصحيح أن السادات تراجع عن رفع الدعم عن تلك السلع آنذاك، لكنه لم يتخلى عن الفكرة هو ومبارك الذي خلفه وكل ما هنالك أن الحكومة تعلمت درسا من تلك الانتفاضة ألا وهو ألا تعلن مسبقا عن رفع أسعار سلعة ما ولكن ترفع أحد مستلزمات الإنتاج المدعومة دون إعلان فترتفع الأسعار تلقائيا .. وهكذا إلى أن انتفضت الجماهير في 25 يناير (2011) تطالب بالعدالة وهذا معناه أن جماهير الثوار افتقدت العدالة والكرامة منذ عاش السادات حياة القصور وتخلى عن دور الدولة في إقرار العدالة الاجتماعية، ومن هنا كان هتاف انتفاضة يناير 1977 "أين الفطور يا ساكن القصور". ومن عجب أن مبارك لم يتعلم من هذا الدرس بل إنه أقدم في 1987 على إلغاء الدعم كلية عن كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي فاضطر المنتج الزراعي إلى شراء ما يحتاجه من مستلزمات من السوق "الحرة" فارتفعت أسعار المنتجات تلقائيا. وبعد أن كان يقول "إن الكفن ليس له جيوب" فارتاح له الشعب، إلا أنه صنع للكفن جيوبا وأخذ يعبأها حتى ضاقت بما حملت. وهكذا.. ومن شان العمل على تنفيذ المادة الثامنة من الدستور تمهيد الطريق لتنفيذ المادة التاسعة بشأن تكافؤ الفرص بين الجميع فيهدأ الناس ويطمئنون على مستقبل أولادهم.