بعيدًا عن كل ما تحمله كلمة "حياة" من معنى، تجد قرية فاضل التابعة لمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، وهي مأوى اللاجئين الفلسطينيين، وبموجب تعريف "وكالة غوث" فإنها لا تصنف كمخيم؛ لأن مصر غير مشمولة بلائحة الدول التي تصنفها ال "أونروا" كمنطقة عمليات لها، فقد شردهم الصهاينة عام 1948، وطردوهم من ديارهم، ومن وقتها وهم يعيشون في حقبة عنوانها "الضياع"، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 3500 نسمة (350 عائلة)، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من منطقة بئر السبع، وجاءوا إلى مصر عن طريق "يافا"، بواسطة بعض القوارب، وانغلقوا على أنفسهم؛ على أمل العودة إلى وطنهم، وبعد مرور 65 عامًا لم يعد يشغلهم سوى "حياة"، ولن تفرق إن كانت في مصر أو فلسطين؛ فالمصير واحد، وهو الغربة على أرضهم والنسيان في بلدهم الافتراضي "مصر"، وبين صراخ أطفال يتشاجرون على قطعة حلوى، ورجال يبكون قلة حيلتهم في مواجهة الفقر، وعويل أمهات ثكلى بعدما خطف المرض أبناءهم، وشكوى أرامل انقطع عنهم معاشهم، وهو 100 جنيه، رصد "البديل" آلامهم وشكواهم. يقول جبر سالم عضو لجنة المصالحات بالجزيرة إن حال القرية لا يختلف كثيرًا عن مثيلاتها، ولا يشتكي أهلها الفقر ولا الجوع؛ لأنهم راضون بحالهم هذا، ولم يروا أفضل منه حولهم، ولكن ما يشتكون منه هو أن هناك تفريقًا في المعاملة بينهم وبين أشقائهم من المصريين؛ حيث إن الأهالي لا يهتمون بتعليم أبنائهم بسبب بعد المدارس عنهم، وتعقيد الإجراءات بالإضافة إلى كثرة المصاريف المطلوبة منهم لإنهاء الأوراق المطلوبة ، لافتا إلى أن وضع اللاجئين الفلسطينيين اختلف تماما عن عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأنور السادات؛ فقد كان لهم الحق في التعليم المجاني، كما أن بعضهم تمكن من شراء الأراضي وبنائها، ثم انتزعت منهم الملكية في عهد مبارك. وطالب الرئيس مرسى بأن يتقبلهم، وأن يعود سعر وثيقة السفر إلى 40 جنيهًا بدلاً من 110؛ لأنهم لا يستطيعون دفع هذا المبلغ، فأغلب أهالى القرية يعيشون تحت خط الفقر، وأضاف سالم "أن هناك بعض السلع التموينية التى كانت تساعدنا على المعيشة لم يعد من حقنا الحصول عليها، ولذلك نتمنى أن يصدر الدكتور باسم عودة وزير التموين قرارًا بأن تكون لنا بطاقات تموينية مثل المصريين؛ لأننا ولدنا فى مصر ولم نرَ فلسطين إلا على شاشات التليفزيون، كما أننا نناشد وزير الداخلية بتسهيل إجراءات السفر للوافدين من قطاع غزة". وتقول أم فارس (70 سنة) إنها "من سيناء ولم يحصل أولادها على الجنسية المصرية، ولا يعرف أحدهم كيف يكتب اسمه؛ لأن الأسرة لا تستطيع تحمل نفقات التعليم، ومن عادات الجزيرة أن يتزوج الشاب بداية من سن 14؛ مما يجعل العمل وتحمل مسئولية بيته وزوجته أهم من أى شىء آخر، فمعظمهم يعملون فى جمع القمامة أو فى بعض الأراضى أثناء موسم الحصاد مقابل 20 جنيهًا في اليوم، وهو مبلغ لا يكفى للإنفاق على أسرة مكونة من 18 فردًا؛ ولذلك عندما يبلغ الطفل سن الخامسة يبدأ فى العمل". وأضافت أم فارس أن أهل القرية لا يستطيعون السفر إلى أى مكان خارج البلاد؛ لأنهم ليسوا مصريين، ووثيقة السفر مكلفة؛ لذلك لا يهتم أحد أن ينهى إجراءات الحصول عليها، وأشارت إلى أنهم جميعًا لا ينكرون فضل مصر عليهم، ولكن يطمعون فى بعض الخدمات فقط، فهى تذهب إلى أبو كبير لعدم وجود سوق بالقرية، ومع ذلك فإنها تتسوق بحوالى 13 أو 15 جنيهًا فقط، كما أنهم يشترون الخبز لأنهم لا يملكون أرضًا لزراعة القمح، وهو أيضًا مكلف فى شرائه وخبزه، وهم ينتظرون القوافل التى تأتى إليهم فى شهر رمضان، وتوزع على المنازل كرتونة بها بعض السلع التموينية. وأوضحت أن ما يتردد عن المساعدات التى يرسلها الدكتور بركات الفرا سفير فلسطين للقرية كلها أكاذيب، فهو لم يقدم لهم سوى فصل محو أمية ومضيفة لاستقبال الضيوف وعقد جلسات الصلح، وفى المرة التى زار فيها الجزيرة أمرهم العمدة بعدم الخروج من ديارهم أو التحدث معه وعرض المطالب، مشيفة أن المعونة التى تأتى عن طريق الوزارة هى كرتونة تحتوى على "فرخة، وزجاجتين زيت، و3 كيلو أرز، وكيلو عدس"، وأنها أصبحت توزع بالمحسوبية وبالواسطة. وشكت رباح (45 عامًا، أرمل) من أن أبناءها أصبحوا على وشك الزواج؛ مما يتطلب بعض التكاليف التى تصل إلى خمسة آلاف جنيه، وأن معاش زوجها (100 جنيه) انقطع عنها، وناشدت السلطات المصرية والسفارة الفلسطينية توفير معاشات للأرامل؛ لأنهم يعلمون أن أقل فرد لديه 14 ابنًا، ويحتاجون لبعض المصروفات حتى يدبروا أمورهم. وأكدت أن الجزيرة تعيش فى أمان، ولا يلجؤون إلى الشرطة ولا يحتاجونها؛ لأن عاداتهم تقضى بأن يقوم رئيس لجنة المصالحات بحل أى نزاع وبشكل ودى، وأشارت إلى أن أغلب المشاكل تكون مشاجرات بين عائلتين أو بعض أطفالهم، بالإضافة لحالات الطلاق، ولكن بنسبة بسيطة جدًّا، فنادرًا ما تحدث خلافات تصل إلى الطلاق؛ لأن المرأة تتزوج وهى تعلم أن زوجها لن يكتفى بها فقط، وأنه سيتزوج 2 أو 3 غيرها، ولا يحق لها أن تعترض أو تحدث خلافات مع باقى الزوجات. رئيس لجنة المصالحات: نتمنى أن يسمح لنا باسم عودة بعمل بطاقات تموينية مثل المصريين رباح: نناشد السلطات المصرية والسفارة برجوع ال 100 جنيه معاش الأرمل أم فارس: العمدة حذرنا من مقابلة السفير وتوصيل شكوانا إليه