أيتها البلاد الرمادية قرآنك مال وإنسانك مال ودنياك سوق ... عندما يكون المال تجارة والكتابة تجارة والإبداع تجارة.. والتجارة شطارة يحل فيها الخداع ويحرم عليها الصدق وأمريكا بلد التجارة والشطارة ... أيمكن لبلد تلك فلسفتها أن تتعاون مع حركات أو جهات سياسية واقتصادية تحب الحياة أكثر من المال، تعشق تراب وطنها عن ذهب أجنبي؟ كثير من أصدقائي كانوا يتهمونني وهم على حق بالسذاجة السياسية، عندما كنت أدافع عن الإخوان والسلفيين وكنت أراهم متحاملين جداً عليهم، بل وأتهمهم بالتعصب "الديني" لأفكار علمانية تقدس العقل والمنطق والتسامح. كانوا يقولون لي، وهو الكلام الذي قرأته نظرياً، أن التيار الديني ليس في تكوينه التسامح مع الرأي الآخر، ولا ينحاز إلى الفقراء وسيطرته في بلد هو تجسيد لسيطرة رأس المال القذر متمازج مع القمع الاجتماعي والسياسي. عندما انحزنا إلى ما تعرض لهم أتباع حازم أبو إسماعيل أمام وزارة الدفاع من قمع استبشعناه بعد الثورة، كان يقال لي هؤلاء عندما ينتصرون فقط ولو نصف انتصار سيقمعونكم أيما قمع ؟ لم يمر عام حتى رأيت! من أبشع ما رأيت، نفوذ القرار الأمريكي في واقعنا السياسي، وكيف أن الولاياتالمتحدة لا تعير أدنى انتباه للحريات والإصلاحات كما تدعي طالما مصالحها محفوظة، رغم وضوح هذه الحقيقة وبساطتها إلا أنها غابت ولو لفترة بسيطة. قبل نهاية الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية نشر ديفيد كيرباتريك في "نيويورك تايمز" جلسة عقدت بين أصحاب الشركات العابرة للقارات وبين رجال أعمال مصريين وكان فيها خيرت الشاطر "وليس مرسي" وأحمد شفيق، وأعرب الأمريكيون عن إعجابهم ودهشتهم بشخصية خيرت الشاطر، وقالوا أنه كما لو كان يعرف طلباتنا التي كتبناها في ورقة بدون أن يراها، ويقول لنا ما نحب أن نسمعه من إجابات. وكشف موقع "جلوبال ريسيرش" الكندي المناهض للعولة الأمريكية والغربية هذه العلاقة الوطيدة بين الإسلاميين، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، وجهات استخباراتية أمريكية، وكيف فكرت أمريكا إعادة تشكيل الشرق الأوسط من خلال إثارة الاضطرابات وتولية "الإسلاميين" في الحكم في عملية اطلقت عليها صحيفة نيوريوركر اسم "ريدايريكشن" أو إعادة التوجيه قلت لصديقي إسلام، والذي لا تفارقه نشوة الثورة ومرارتها، عندما طلب رأيي فيما يحدث، وذلك بعد سرده لي تفاصيل غضب الناس في شبين الكوم على الإخوان وكيف هدموا مقراتهم: نحن الآن أمام فرصة تاريخية فحركات التحرر الوطني متحررة في حركاتها من التأثير الأجنبي، لا شروط ستملى عليها حين تنتصر، الهتافات وصرخات الغضب هي مركز قواها لا الجيش ولا الداخلية ولا أمريكا، ضمير الناس ومطالبهم هي أهدافها بعيدا عن الأغراض الأمريكية أو الأهداف الداخلية لصالح هذا الطرف أو ذاك. ........ إننا نشهد مفارقات مذهلة، حيث من المفترض أن تقرب "الأيدويولوجيا" الليبرالية بين الغرب والعلمانيين أو المدنيين، لنجد النقيض من ذلك، يمتدح زعماؤها قيادة هي أكثر بطشا من مبارك، وترسخ لاستبداد أشد تركيزاً من النظام السابق، إضافة إلى دعم ببعض الأفكار الدينية كل ذلك لم يفرقهم، لأن ما وحد الإخوان بأمريكا هي المصالح والبيزنس والحفاظ على نفوذها بل وللآسف دعمه وتوطيده. موقع "سي إف آي إف" وهو المنتمي لجيل الألفية المناهض لليبرالية العالمية، أشار إلى أن النخبة الأمريكية ترى في جماعة الإخوان القوة التي تستطيع قمع "الانتشاء" الثوري لطبقة العمال والفقراء الناتج عن ثورة شعبية قاموا بها، لم أصدق الموقع ولم أكذبه، ولكن كل السياسات التي تنتهجها جماعة الإخوان تؤكد ذلك، ابتداء من بعد كل الخطوات عن الحد الأقصى للرواتب الذي يحفظ الحد الأدني من التدني، وانتهاء بدستور حفظ للمؤسسة الدينية والعسكرية مصالحها متجاهلا كل القوى الثورة عمال وليبراليين وشباب يحلمون بوطن يسوده السلام والعدل والحرية. لا عجب الآن من أن تطلق الجماعة ميليشياتها لتعذيب وإرهاب المتظاهرين السلميين، ثم تؤكد أمريكا شراكتها لها، ومدحها ومديحها لقادتها. شكرا يا بلاد الرماد والتجارة والشطارة. الآن عرفنا لماذا قنابل الغاز التي ترميها علينا قوات الأمن الوطني صنعت في أمريكا الآن عرفنا لماذا دبابات الحرس الوطني التي تحول بيننا وبين "الفرعون" صنعت في أمريكا الآن عرفنا لماذا بنادقنا ودباباتنا وطائراتنا التي نحملها وتحملنا في سيناء والاسماعيلية والسلوم صنعت في أمريكا الآن عرفنا لماذا ونحن الليبراليون المدافعون عن حقوق الإنسان ونحن العلمانيون والمدنيون والمسيحيون تتركينا وتدعمين الإسلاميين الأصوليين والجهاديين والإرهابيين لماذا اعتقلتم ليبرالية في نيويورك حتى يقول عصام العريان الإسلامي كلمته بهدوء وغدر ؟ الآن عرفنا لماذا اليد الأمريكية تسلم على الإسلامي وتضرب العلمانيين على خدهم الأيمن والأيسر ... شكرا .. أمريكا. لقد عرفنا طريقنا .. "الشعب يريد إسقاط النظام" Comment *