بعد العدوان الثلاثي الذي قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومن ورائها الكيان الصهيوني على سوريا فجر السبت الماضي، كان لا بد من إلقاء الضوء على حسابات الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة على خارطة سوريا السياسية، وفي ظل اعترافات المحور الأمريكي بما في ذلك تل أبيب بأن الضربة الأمريكية ليس لها ما بعدها، نجد أن محور المقاومة لم يكتفِ بالتصدي للعدوان الأمريكي بإسقاط ما يزيد على 70% من الصواريخ الأمريكية "الذكية" على سوريا، بل بدأ يستعد لأي مواجهة عسكرية مع واشنطن في حال قرار الأخيرة فتح مواجهة شاملة على الأراضي السورية، الأمر الذي انعكس في خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بالأمس في مهرجان يوم الوفاء للشهداء في البقاع الغربي للبنان. تطرق أمين عام حزب الله للعدوان الثلاثي الأخير على سوريا بالقول "إذا كان البعض يعتقد أن الوضع في سوريا قد يتغير لمصلحة أمريكا أو إسرائيل أو دول إقليمية فهو واهم". وأضاف أن "ترامب استعجل الضربة على سوريا، لأن وفد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كان سيدخل إلى دوما يوم السبت، وعجلوا بالعدوان؛ لأنهم يعرفون أنها مسرحية". وقال نصر الله إن "فرنسا وبريطانيا هما فقط تابعان لواشنطن، واستخدمتهما واشنطن للتلوين". وتابع أن العدوان الثلاثي استهدف ثلاثة أو أربعة أهداف، وأكد على ضرورة تسجيل الأداء الممتاز لقوات الدفاع الجوي للجيش السوري، والذي أسقط عددًا كبيرًا من الصواريخ، وهذا إنجاز يحسب لهم. وشدد نصر الله على أن مجرد بقاء الضباط والجنود السوريين في مراكزهم أثناء العدوان يستحق الإشادة. وأشار نصر الله إلى أن العدوان استهدف مواقع خالية وأخرى استُهدفت سابقًا، وأن أحد أهداف العدوان كان التهويل من أجل الابتزاز، وهذا لم يتحقق، كما أن العدوان فشل في المساس بمعنويات السوريين قيادةً وجيشًا وشعبًا، وأن السوريين باتوا أكثر ثقة بجيشهم وقيادتهم وسلاحهم بعد هذا العدوان، وأشار أيضًا إلى أن المجموعات المسلحة أصيبت بالخيبة والإحباط حالها كحال بعض الدول الإقليمية، وأن العدوان فشل في تغيير المعادلة لمصلحة إسرائيل، وأن ما حصل من عدوان على سوريا سيعقد الحل السياسي في سوريا إن لم يؤدِّ إلى نسف مسار جنيف. وقال نصر الله إن دولاً إقليمية راهنت على أن العدوان الثلاثي سيدمر سلاح الجو السوري ومواقع الحرس الثوري والحلفاء. منوهًا بأنه عند كل انتصار في سوريا قد تكون هناك مسرحية كيماوي وعدوان من هذا النوع، مثل قصة السلاح النووي الإيراني، فوكالة الطاقة الدولية الذرية تشهد بأن إيران لا تعمل من أجل إنتاج سلاح نووي، وكل المعطيات والمؤشرات والأدلة تؤكد أن إيران لم تسعَ ولن تسعى إلى امتلاك أو إنتاج سلاح نووي، وهم ليس لديهم أي دليل، ومع ذلك إيران تُحاصر وتُعاقب في العالم وفي مجلس الأمن وفي الإدارة الأمريكية نتيجة اتهام باطل، و"هذا الاتهام اليوم في سوريا أيضًا سوف يبقى يلاحق النظام والجيش والدولة والقدرة السورية على المواجهة". وكشف نصر الله عن أن دولًا خليجية مارست أعلى تحريض للإدارة الأمريكية، كما عرضت أموالاً طائلة لشن عدوان واسع على سوريا، كذلك فعل اللوبي الصهيوني في أمريكا، وعمل ليل نهار ليكون العدوان كبيرًا، ويغير المعادلات، وأن النقاشات بين السياسيين والعسكريين الأمريكيين هي التي أدت إلى أن يكون العدوان محدودًا، فالعسكريون يعرفون قدرة محور المقاومة على الرد، كما يعلمون جيدًا أن الذهاب إلى عدوان واسع في سوريا لا يمكن أن يمر، وسيلهب المنطقة كلها، ولو خُلِّيَ الأمر لترامب وجون بولتون وبعض الدول الخليجية، لكان العدوان أكبر، ومحدودية هذا العدوان بحسب نصر الله تؤكد على قدرة وقوة محور المقاومة، ويجب أن تزيد الثقة بهذا المحور. وختم الأمين العام لحزب الله بالقول إن هذه الحرب لم تنتهِ، حتى لو كان مسارها مسار انتصار. وحمل الخطاب في طياته الردود على الانتقادات التي وُجِّهت إلى محور المقاومة بضرورة الرد على العدوان الأمريكي، حيث عبّر نصر الله عن الاستعداد لخوض غمار المعركة حال تحول الضربة المحدودة إلى مواجهة شاملة، كما أن الضربة الأمريكية كانت ردة فعل وليست فعلًا، من أجل الرد على انتصارات محور المقاومة والحليف الروسي في سوريا، حيث استطاعوا مؤخرًا تحقيق إنجاز استراتيجي بحجم تأمين العاصمة السورية دمشق من هجمات المسلحين، الذين كانوا يتواجدون في الغوطة الشرقية. ويرى مراقبون أن الاتهامات الحقيقية يجب أن توجه للدول الغربية، التي تكالبت على سوريا خارج نطاق الشرعية الدولية التي أنشؤوها بأنفسهم والمتمثلة في مجلس الأمن، كما أنها حدثت دون أدلة على وقوع الهجوم الكيميائي من عدمه، كما أن أصابع الاتهام يجب أن توجه أيضًا للدول الخليجية والعربية، التي تعاونت مع العدوان الثلاثي والصهيوني لضرب دولة عربية شقيقة، لا تزال تحمل مشروعًا مقاومًا، في ظل الانبطاح والنهج التطبيعي لكثير من الدول العربية مع العدو الإسرائيلي.