قبل أيام، دشنت بريطانيا قاعدة عسكرية لها في البحرين تحمل اسم "إتش إم إس جوفير" البحرية، وشارك في مراسم افتتاحها ولي العهد البحريني، سلمان بن حمد آل خليفة، ودوك منطقة يورك الأمير أندرو، لتأتي إلى جانب قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي. القاعدة وصفت بأنها الأولى من نوعها للمملكة المتحدة في منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من 40 سنة، وبدأ تشييدها قبل ثلاثة أعوام، حيث اتفقت بريطانياوالبحرين على إقامتها في ميناء الملك سلمان في ديسمبر عام 2014، وفاقت تكاليف إنشائها 50 مليون دولار أمريكي، وتستضيف نحو خمسمئة من عناصر البحرية البريطانية بينهم بحارة وجنود وطيارون، لتعزز المملكة المتحدة وجودها العسكري والاقتصادي في منطقة الخليج، لاسيما أن أحد مهام القاعدة، ضمان تحرك شحنات النفط والبضائع من آسيا إلى أوروبا.
المفارقة، أن وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، قال إن القاعدة البريطانية الجديدة تعتبر نفس القاعدة الدائمة التي أسستها بريطانيا في المنطقة علم 1971، مع العلم أن إغلاقها كان رمزًا أساسيًا من رموز استقلال البحرين، حيث سبق وأسست بريطانيا قاعدة إتش إم إس البحرية أول مرة عام 1935 قبل أن تحصل المنامة على استقلالها عام 1971. ويرى بعض المتابعين أن القاعدة البريطانية في البحرين لحماية المصالح البريطانية في الخليج، لكن هذا الطرح يجانبه الكثير من الصواب، خاصة أن الأنباء تتردد بأن الملك البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة، من طلب إنشاءها ودفع تكاليف إنشائها وليست بريطانيا، كما أنه طالب بمزيد من الاتفاقات التي تعزز التعاون العسكري مع بريطانيا. وفقًا للمعطيات السياسية، لا تقبل دولة بإنشاء قاعدة عسكرية للأجانب على أراضيها، ضمانا لسيادتها، خاصة أن وجود القواعد البريطانية والأمريكية في البحرين يأتي في ظروف غير طبيعية تشهدها البلاد، في ظل تأزم العلاقة بين المعارضة والسلطة، التي صعدت منذ منتصف عام 2016 بشكل كبير من حملتها القمعية على المعارضة، التي تتوزع مطالبها بين إصلاحات للنظام السياسي الحالي وبين الإطاحة بنظام آل خليفة ككل. وإذا كان وجود القواعد البريطانية والعسكرية في البحرين لحماية المصالح الغربية في الخليج، فليس من المعروف متى تتقاطع المصالح مع الدول المستقبلة لهذه القواعد ومتى ينقلب السحر على الساحر، فقاعدة العديد المتواجدة في قطر كانت مطروحة للمساومة والابتزاز الأمريكي عندما اشتعل الصراع بين قطر والسعودية، حيث تسربت أخبار من الكونجرس بإمكانية نقل القاعدة الأمريكية من الدوحة إلى الرياض، كما أن قاعدة أنجرليك التركية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية، يدور الحديث عن أن لها دورا كبيرا في الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في يوليو 2016. وبطبيعة الحال، فإن دولًا كبريطانيا والولايات المتحدة ببعدهما الاستعماري، تبحثان عن تواجد حقيقي لها في المنطقة، فالمملكة المتحدة كانت قد دافعت عن قرارها بالاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية رغم استخدام الأخيرة السلاح ضد المدنيين في اليمن، حيث أكد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، أن تعليق بيع السلاح ينهي الوجود البريطاني بالمنطقة، وأن الرياض بإمكانها تهيئة السلاح من دول اخرى. كما أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أشار بوضوح لا لبس فيه إلى الأدوار التي تقوم بها القواعد العسكرية في حماية الأنظمة الخليجية، حيث عيّر ترامب حكام الخليج بأنهم لن يبقوا على عروشهم بغير الحماية الامريكية. كلام ترامب الأخير يدعم تصريحات لأحد كبار ضبّاط البحريّة الأمريكيّة وهو الكوماندر ماك دانيال، الذي قال إن "عدم وجود أمريكا في البحرين من المحتمل أن يخلق فراغًا في السلطة، ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويقضي على التأثير المعتدل للنفوذ الأمريكي في أي أزمة بحرينية"، الكلام الذي تحدث عن تأثير وجود مقر الأسطول الخامس في البحرين في سير الأحداث في البلاد، والأثر السلبي الذي قد يترتب جراء غيابه. الأثر السلبي الذي يتحدث عنه دانيال يكمن في النتيجة التي قد تحدث حال نقل مقر الأسطول الأمريكي الخامس، وضرره على النظام البحريني وإمكانية حصول تفوق للشعب؛ حيث أضاف أن "فقدان مقر الأسطول الخامس في البحرين أمر غير محتمل، والسعوديون والولايات المتحدة لن يسمحوا بذلك أبدًا"، وهنا نجد أن تواجد القواعد ليس مجانيًا ويخدم مصالح القوى الاستعمارية، فالتصريحات الأمريكية تعكس بوضوح أن قواعدها تأتي في إطار المعادلة التي لا تخفيها واشنطن، وتتمثل في أن الوجود الأمريكي في المنطقة الخليجية يأتي للسيطرة على منابع النفط مقابل حماية الأنظمة الخليجية وبقائهم على عروشها.