شهد التاريخ الإنساني الكثير من النزاعات والحروب ولأن دوافع الحروب الكبرى لا تنشأ بين يوم وليلة بل تختمر على مدى سنوات، فمن الصعب غالبا معرفة متى يمكن أن تبدأ الحرب إلا بعد اندلاعها. كانت الأسباب الأساسية الغير مباشرة للحرب العالمية الأولى هو توتر العلاقات الدولية بسبب التوسعات الاستعمارية وتوالي الأزمات، كأزمة البلقان والصراع الفرنسي الألماني حول الحدود، يضاف إلى ذلك تزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الاستعمارية لاقتسام النفوذ والسيطرة على الأسواق عبر العالم. لكن الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب هي حادثة اغتيال ولي العهد النمساوي الأرشيدوق فرانز فريديناند مع زوجته من قبل طالب صربي أثناء زيارتهما سراييفو في 28 يونيو عام 1914- "حادثة سيراييفو"، حينها أعلنت الإمبراطورية النمساوية الحرب على صربيا وانقسمت القوى العظمى حينذاك إلي مجموعتين قوات الحلفاء (الوفاق الثلاثي) بزعامة المملكة المتحدة من جهة ودول المركز بزعامة ألمانيا من جهة أخرى. في السياق ذاته، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تحليلا للكاتب ديفيد جاردنر يشير فيه إلى أن سحابات الحرب تتجمع مجددا في منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت على شفا خطأ بسيط يكون بمثابة شرارة تشعل نيران عقود من التوترات. وقال الكاتب: إنه منذ احتدام الموقف الشهر الماضي بين إسرائيل وإيران في المجال الجوي المزدحم فوق سوريا، تتجه النجوم نحو ترتيبات مشؤومة. فبعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، لا تزال ساحة المعركة في سوريا تمتص قوى أجنبية، وتضع حلفاء حلف شمال الأطلسي الولاياتالمتحدة وتركيا ضد بعضها البعض أو الولاياتالمتحدة ضد روسيا. لكن هذه مجرد شرارات تصيب شظاياها في الغالب الوكلاء مقارنة بما يمكن أن يتحول إلى حرب جديدة على نطاق المنطقة بأكملها إذا حدث خطأ في تقدير الموقف أو أسيء إدارته. الخلفية مهددة، حيث تجتمع إدارة الرئيس دونالد ترامب غريبة الأطوار في الولاياتالمتحدة، والمملكة العربية السعودية تحت حكم ولي العهد الشاب المتهور، محمد بن سلمان، وإسرائيل – حيث رئيس الوزراء المخضرم بنيامين نتنياهو يقاتل من أجل حياته السياسية ويتشبث برئاسة ائتلاف متطرف في مواجهة تحقيقات الفساد ضده. كلهم يتحركون بعدوانية لدق طبول الحرب ضد إيران. قبل أيام، أقال ترامب وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي كان مملا لكنه على الأقل متأنيا، واستبدله برئيس وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، وهو أحد الصقور المتشددة تجاه إيران. كما هناك حديث عن أن ترامب يستبدل أيضاً مستشاره للأمن القومي، الجنرال السابق للموارد البشرية ماكماستر ويثار أن يحل محله جون بولتون، وهو سفير سابق لدى الأممالمتحدة أعلن إن الحل للطموحات النووية الإيرانية هو ضرب طهران. وتأتي هذه الاضطرابات الأحدث في البيت الأبيض بعد تهديد ترامب المتكرر بتمزيق الاتفاق النووي التي توصلت إليه إيران مع ست قوى غربية كبرى، بما فيها الولاياتالمتحدة في عام 2015. أعلن ترامب إنه لن يعيد التصديق على الاتفاق في مايو ما لم يتم إعادة كتابته وهذا التعديل لن يحدث. من جهة أخرى، يحاول الموقعون الأوروبيون – فرنساوألمانيا والمملكة المتحدة – الالتفاف حول هذا الأمر عن طريق استكشاف إجراءات منفصلة لتقييد برنامج إيران للصواريخ البالستية وكبح جماح طهران التي يزداد مجال نفوذها وقوتها في المنطقة العربية بما في ذلك العراقوسورياولبنان واليمن. لكن هذه المحاولة الأوروبية أيضا تبدو بائسة. في غضون ذلك، قال محمد بن سلمان في مقابلة قبيل زيارته إلى الولاياتالمتحدة هذا الأسبوع إن السعودية ستسعى للحصول على قنبلة نووية إذا حصلت إيران على قنبلة نووية. وهناك إسرائيل التي بدورها تضغط على زناد إطلاق حرب جديدة. قامت الطائرات الإسرائيلية قبل أسبوعين بقصف ما يصفونه قاعدة إيرانية يتم بناؤها في منطقة الكسوة قرب العاصمة دمشق بصواريخ جو أرض من الأجواء اللبنانية. وأشارت المصادر إلى أن الدفاعات السورية أطلقت صواريخها لصد الغارات. ومن المحتمل في الأيام القادمة أن يتابع الإسرائيليون بقوة هجماتهم ضد ما يزعمون أنه قواعد إيرانية في سوريا. شنت إسرائيل هجمات جوية في سوريا أكثر من 100 مرة منذ عام 2013 بهدف تدمير المخازن المفترضة أو قوافل الأسلحة الإيرانية المزعومة المتجهة إلى حزب الله اللبناني. لكن الغارة الأخيرة قد تحدث تصعيدًا، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي إسقاط طائرة إيرانية بدون طيار تجاوزت مجالها الجوي شمالا في حين أسقطت نيران الدفاعات السورية مقاتلة إسرائيلية طراز أف 16. تصر إسرائيل دائما على أنها لن تسمح لإيران ولا لحزب الله بإنشاء قواعد دائمة في سوريا، كذلك لن تتسامح مع ترسانة حزب الله الصاروخية المتزايدة في لبنان. وقال نتنياهو لمجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في واشنطن هذا الشهر إن "الظلام يحل على منطقتنا.. وسنوقف إيران". ويؤكد أحد المسؤولين الغربيين أن قرار كيف ومتى يتم ضرب حزب الله "يجري مناقشته على أعلى مستوى في إسرائيل". وعلى عكس أي هجوم جوي داخل سوريا، فإن وقوع مثل هذا الهجوم الإسرائيلي مع قدرات حزب الله على الرد بإطلاق صواريخ في عمق إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى رد فعل تسلسلي لا يمكن السيطرة عليه على مستوى المنطقة بأكملها. ويبدو أن الولاياتالمتحدة – أقرب حليف لإسرائيل- لا تضع أي ضوابط لنتنياهو في هذا الشأن. وعلى الجانب الإيراني، لا يتسم خطاب آية الله خامنئي بالهدوء عندما يتعلق الأمر بمواجهة إسرائيل. ومع عداء الولاياتالمتحدة والسعودية لإيران، قد يشعر نتنياهو أنه يستطيع أن يفلت بضربات جوية ضد طهران مثل تلك التي نفذتها إسرائيل في مفاعل أوزيراك النووي في العراق في عام 1981 والمرفق النووي السوري المشتبه به في عام 2007. لكن مع هذا السيناريو، قد يعيد نتنياهو للأذهان مصير أسلافه الذين شنوا الحروب ضد لبنان – مناحيم بيجن في عام 1982 ، وشيمون بيريز عام 1996 ، وإيهود أولمرت في عام 2006. جميعهم سقطوا من مناصبهم بعد حروب أقل تدميرا بكثير من تلك الكارثة التي تستحوذ الرغبة في إشعالها على تفكيره.