لم يتخيل الفنان المصري جورج عبد الملك، الذي تأسس على يده متحف الشمع المصري عام 1934 في ميدان التحرير، ثم نقل إلى جاردن سيتي، ومنه إلى عين حلوان عام 1950، أن يكون مصير ما قدمه الإهمال والإغلاق لأسباب متعلقة بالأمن والسلامة حسبما صرح المسؤولون، بعدما كانت الدولة تنوي من تأسيسه تجسيد الأحداث التاريخية المصرية، وإبراز أهميتها على المستويين العربي والعالمي، فقد كان الرابع على مستوى العالم بعد متاحف فرنسا وإنجلترا وأستراليا إذا قورن بما يضمه من مقتنيات، وفي نفس الوقت يحتل المركز الثاني عالميًّا من حيث الشهرة. يحتوي المتحف على 116 تمثالاً و26 منظرًا تحكي تاريخ مصر، بدءًا من الأسرة 18 الفرعونية، حتى ثورة 23 يوليو، وفي المتحف تتجسد أمامك قصص تاريخية وقعت على أرض مصر، وذلك في غرف، كانت ينبع منها عبق التاريخ، فهذا مشهد لانتشال صندوق النبي موسى وهو طفل من النيل، وذاك مشهد آخر لعلاج صلاح الدين لريتشارد قلب الأسد، وثالث لعرش آسيا، ورابع لأسر لويس التاسع، ورابع لخروج كسوة الكعبة من مصر، ووخامس لحادثة دنشواي، وقائمة طويلة من الأحداث التاريخية التي كان الغلق مصيرها والتراب أنيسها حاليًّا. "البديل" حاولت الاقتراب من المتحف ومعرفة وضعه الحالي، لكن كنا غير مرحب بنا، فالباب مغلق، وأحد أفراد الأمن طلب منا مغادرة المكان، لولا أن مسؤول الأمن أتى إلينا، وسمح لنا بالدخول والتحدث مع إحدى الموظفات، التي طلبت عدم ذكر اسمها، وشددت على عدم السماح بالتقاط أي صورة للمكان؛ بحجة أن ذلك ممنوع حاليًّا. الموظفة التي التقينا بها قالت إن المتحف تابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة ومغلق منذ 9 سنوات؛ بسبب الأمن والسلامة، وذلك عقب الحريق الذي نشب في مجلس الشورى، حيث قامت لجنة تابعة لوزارة الثقافة بفحص عوامل الأمن والسلامة في جميع المنشآت الثقافية التابعة لها، وكان متحف الشمع هو أحد هذه المتاحف، وبناء عليه تم إغلاقه، ومن وقتها وهو مغلق حتى يومنا هذا. وأضافت أن المتحف ليس على قائمة اهتمامات الوزارة، فمنذ إغلاقه من المفترض أن تخصص له ميزاينة، بناء عليها بتم تطويره وتوفير عناصر الأمن والسلامة فيه، ولكن ذلك لم يتحقق، فالوزارة صبت اهتماماتها على متاحف أخرى، مثل متحف سعد زغلول ومتحف الحضارة ومتحف جمال عبد الناصر وغيرها إلا متحف الشمع. وتابعت أن المتحف كانت تأتي إليه بعثات أجنبية لزيارته، وطلاب مدارس، ومواطنون عاديون، لكن للأسف ليس لديهم علم بإغلاقه، فيفاجؤون بوضعه الحالي، ويبدون أسفهم على الوضع الذي وصل إليه المتحف حاليًّا، وبدأ الخبر ينتشر عن إغلاق المتحف، فقلت الزيارات حتى اختفت، مكملة "وهو مفتوح ما كناش بنلاحق على الزيارات، خصوصًا المدارس، قدام باب المتحف كانت أتوبيسات الطلبة بتوقف ورا بعض، وبسبب الإقبال الكبير كنا بنضطر ندخل فوج، ونخلي الباقي ينتظر ونمشيها بالدور". وأكدت أنه حتى الآن لم يحدد وقت محدد لافتتاح هذا المتحف، مشيرة إلى أنه كل فترة من الوقت تصل إلينا تعليمات بأن لجانًا ستأتي لترميم المتحف وتنظيفه، وسيتم إقامة نشاط ثقافي بداخله من جديد، لكن دون جدوى، موضحة أن حالة التماثيل بالداخل أصبحت متهالكة بشكل كبير؛ لأن عمليات الصيانة والترميم التي كانت تتم بشكل دوري للتماثيل توقفت بشكل كامل. وأكملت أن قطاع الفنون التشكيلية وبالتنسيق مع مسؤولي حي حلوان وهيئة نظافة وتجميل القاهرة يخططون خلال الفترة المقبلة إلى إقامة نشاط ثقافي في المتحف، حيث سيتم تنظيف وتأهيل منطقة محددة منه، ليقام عليها نشاط ثقافي، كتعليم الطلبة والأطفال كيفية تصميم تماثيل الشمع عبر ورش بالمتحف. أما المتحف نفسه فسيظل مغلقًا. مديرة المتحف أسماء إبراهيم قالت ل"البديل" إنه أغلق في عام 2009 بعد حريق مسرح بني سويف ومجلس الشورى، حيث شكلت محافظة القاهرة وقتها لجنة للتفتيش على عوامل الأمن والسلامة بالمتحف، ومن وقتها والمتحف مغلق. وأضافت أنها تقدمت بمقترح إلى قطاع الفنون التشكيلية، مفاده أن يتم السماح لرجال الأعمال بالمساهمة في عملية تطوير الموقع، حتى ولو عن طريق المساعدات العينية، مقابل أن يتم خصم ذلك من الضرائب المقررة عليهم، وبذلك يتم حل الأزمة، ويعود العمل بالمتحف من جديد، لكن لم يتم البت في هذا المقترح حتى الآن، مرجعة السبب في ذلك إلى تغيير وزير الثقافة أكثر من مرة، إضافة إلى تغيير منصب رئيس قطاع الفنون التشكيلية أكثر من مرة أيضًا خلال الفترة الماضية، وهو ما أعاق تنفيذ المقترح. وتابعت أن النشاط سيعود تدريجيًّا إلى المتحف عبر بعض الأنشطة الثقافية القائمة على فن الشمع، والتي ستنظم خلال الفترة المقبلة لطلبة المدارس والجامعات، حيث ستقام تلك الفعاليات في حديقة المتحف، بعد أن يتم تجهيزها.