الأهالي: نرفض النقل ونطالب بترميم البيوت فقط المحافظ: البيوت تعديات على أراضي الدولة.. وتهدد أرواح الأهالي برلماني: التطوير في مصلحة المواطن بيوت صغيرة على جانبي المياه مبنية بطراز معماري مميز؛ المراكب متراصة، والصيادون يتجمعون على القوارب لحياكة الشباك وتجهيزها للصيد.. مشهد سينمائي باميتاز يحمل البهجة لعدسة أي مخرج، لكن تحت الجمال تكمن أوجاع السكان الأصليين، ومخاوفهم من النقل وترك بيوت تربوا فيها وتواروثها. إنها فينسيا الشرق أو حي المكس بمدينة الإسكندرية، الذي يقع في دائرة حي العامرية غرب الإسكندرية، وتعود التسمية إلى المكوس؛ أي الجمارك، وكانت تٌحصل في هذه المنطقة على البضائع الواردة من الغرب. وترصد "البديل" مخاوف الأهالي الحي بعد قرار المحافظة إزالتها، في إطار مشروع تطوير المناطق العشوائية، الأمر الذي رفضه الصيادون واعتبروه تهجيرا من بيوتهم الأصلية إلى وحدات سكنية لا تلائم طبيعة حياتهم. وقال الريس حمدي، كبير الصيادين (50 عاما): "احنا زي السمك لو طلعنا بره المياه نموت، مراكبنا وشباك الصيد وكل مستلزمات البحر نجدها بمجرد نزولنا من البيت مباشرة، لكن المحافظة تريد نقلنا إلى شقة أشبه بسجن انفرادي، مساحتها صغيرة لا تتجاوز 50 مترا، بعدما كان الصياد يعيش في بيت يملكه يضم 5 غرف على الأقل، أصبح مجبرا أن يعيش مع أسرته التي لا تقل عن 5 أفراد في مساحة صغيرة جدا؛ حجرتين وصالة". وأضاف الريس حمدي ل"البديل": "الصيادون ليسوا ضد تطوير المكس مثل كل المناطق العشوائية الأخرى، لكن نرفض النقل النهائي والابتعاد عن المنطقة التي نشأنا فيها منذ 100 عام"، موضحا أنه يعمل في غزل شباك الصيد، المهنة التي توارثها عن أبيه منذ العاشرة من عمره، متابعا: "صعب جدا ترك مكان لم نر غيره منذ ولدنا، وكنا نتمنى أن تهتم الحكومة بمشاكل الصيادين وتوفر حلولا سرعة لهم، مثل التي وفرتها في تهجيرهم من بيوتهم وإزالة المنطقة"، مؤكدا أنهم تقدموا بعشرات الشكاوى إلى محافظة الإسكندرية، ولم يرد أحد على مطالبهم. وقاطعه علي مغربي، صياد (45 عاما)، قائلا: "لا نعرف كيف تفكر الحكومة، بدلا من ترميم المنطقة التي يزورها ويعرفها الأجنبي قبل المصري نظرا لطرازها وشكلها القريب من فينسيا روما، تكرر المحافظة هدم المنطقة وإزالة البيوت وتشريد الصيادين"، متابعا: "البيوت ليست مهددة بالغرق، وما حدث في 2015 نظرا لغياب التطهير والإهمال للمجرى المائي من جانب الدولة"، متسائلا: لماذا تتجه الحكومة إلى الإزالة، ولم تفعل شيئا لشركة البترول التي تصب صرفها الصناعي ولوثت المياه بزيوتها، ولم تتحرك تجاهم؟ وأكد محمد عبد الفتاح، صياد، أن نقلهم من البيوت سيضر بعملهم كصيادين؛ فالمراكب والشباك بالقرب من البيوت، بل تمثل مخزنا لكل أدوات الصيد، وفي حالة النقل، لا يعرف الصياد أين يذهب بأدواته، فلا يمكن أن يأخذ المركب أسفل العقار حتى ينزل به البحر في الصباح! مطالبا محافظة الإسكندرية بإزالة المخالفين وأي عوائق أمام المجرى، وضرورة زيادة عمقه المائي، حتى يستوعب أكبر قدر من المياه المتدفقة من طلمبات المكس، مع الإبقاء والمحافظة على البيوت، التي تعد سكن وعمل الصيادين في الوقت ذاته. "البحر يوم اه وعشرة لا، ونعيش ظروفا صعبة، الجميع تحدث عن القرارات الاقتصادية وعلاوات الموظفين والعمال، ونسوا الصيادين وأوجاعهم، وفي النهاية، يتم طردهم من بيوتهم".. هكذا قال محمد زكي، أحد شباب الصيادين، موضحا أنه امتهن الصيد من والده العجوز المريض الذي لم يعد يستطيع ركوب البحر. وأضاف: "ظروف الشباب في المكس صعبة؛ فجركن البنزين بمبلغ 200 جنيه في كل نهار تخرج فيه المركب للصيد، فضلا عن ارتفاع سعر المركب نفسه والذي تجاوز 15 ألف جنيه، وتعد رأس مال كل صياد"، متابعا: "ورغم الرزق غير المستقر حسب ما يفيض به البحر، يعيش الشباب راضيا بالجنيهات القليلة، وكل حلمه أن يتزوج في نفس البيت المولود به مع عائلته نظرا لارتفاع سعر الشقق، لكن الحكومة قررت إزالة البيوت، ونحن كأسرة مكونة من 6 أفراد مجبرين على العيش معا في شقة صغيرة"، متسائلا: حال رغبة الشاب في الزواج، ماذا سيفعل؟ وأوضح محمد علام، ميكانيكي مواتير المراكب: "التهجير ضد مصلحة الصيادين، فمن سيحافظ على المراكب الموجودة أسفل البيوت؟ الدولة تريد هدم المنطقة لأهداف استثمارية على حساب الصيادين وأكل عيشهم". وعلى الجانب الآخر، قال الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، إن الصيادين يعيشون على المجرى المائي لمصب المكس المسمى "ترعة الخندق"، والبيوت على جوانبه، وشهدت المنطقة هطولا كثيفا للأمطار في 2015، والعوائق على امتدادات المصب، منعت تصريف المياه بالبحر، وتعرضت بيوت الصيادين للغرق، ما مثّل تهديدا لأرواحهم، موضحا أن المحافظة قررت تنفيذ مشروع لنقل الصيادين من المنطقة العشوائية غير الآمنة، مع توفير سكن بديل آدمي. وأكد سلطان ل"البديل"، أن منازل الصيادين بالمكس ليس ملكية خاصة لهم، بل مبنية على حد المصرف المائي، وبيوتهم بمثابة تعديات على أراضٍ مملوكة لوزارة الري، ومع ذلك، المحافظة قررت نقلهم لأماكن وعقارات سكنية جيدة، بجوار منطقة الصيد وعملهم دون التأثير على طريقة حياتهم اليومية، مضيفا أنه رغم امتلاك المحافظة وحدات بديلة لسكان العشوائيات في الكيلو 38 بمنطقة العامرية، إلا أنهم يلتزمون بشروط نقل السكان دون إلحاق أي أضرار بهم، أو إبعادهم عن مناطقهم الأصلية، ومن ثم، تم بناء وحدات سكنية تنموية قريبة جدا وتبعد 500 م عن بيوتهم الموجودة على حد المصرف المائي. أوضح المحافظ أن إزالة بيوت المكس ضرورة، حتى لا تتكرر كارثة غرق المنازل التي وقعت عام 2015، مؤكدا أنه استمع لبعض الصيادين رافضي النقل، ولا يفهم منطقهم، كيف يفضلون السكن في عشش وبيوت مهددة بالغرق في أي لحظة على الترعة، ويرفضون النقل إلى شقة جديدة مغلقة في عمارة جيدة وبجوار عملهم؟ وأضاف أن المشروع الجديد يضم 9 عمارات بإجمالي 219 وحدة سكنية، مساحة الشقة 54 مترا، تتكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، كاملة التشطيب وجاهزة للتسليم خلال أيام، مؤكدا موافقة عدد كبير من الصيادين على النقل لبيئة سكنية آمنة وبعضهم يرفض، لكن المصحلة العامة والحفاظ على أراوح المواطنين، مسؤولية الدولة، ولن يتركوا مواطنا يُضار. وقال أحمد الشريف، عضو مجلس النواب عن محافظة الإسكندرية، إن تطوير المناطق العشوائية مشروع قومي الدولة تسير فيه بخطوات جادة وإيجابية، ونقل الصيادين من بيوتهم المتهاكلة ضرورة للحفاظ على حياتهم وفي مصلحتهم أيضا، لكن يمكن الاختلاف على طبيعة السكن الجديد، ومدى ملائمته لحياة الصيادين، الذين يعيشون بمراكبهم وأدوات صيدهم بجوار البحر دائما، مضيفا أنه لا يفضل فكرة النقل إلى عمارات سكنية؛ لأنها لا تناسب حياة الصيادين. وعن رفض الأهالي التهجير من منازلهم، نفى الشريف ل"البديل"، أن يكون تهجيرا قسريا، كما يروج بعض الناس، بل نقل من أجل الحفاظ على أروح المواطنين المهددة في بيوت تواجه شبح الغرق في الشتاء وأمطاره، فضلا عن تلوث مياه المنطقة التي يصب فيها الصرف الصناعي لشركة البترول الموجودة على المصب المائي أيضا، فضلا عن تهالك البيوت لغياب الصرف الصحي والمياه العذبة التي تصل نسبة التحلية فيها ل40 و50%، مما يهدد صحة المواطنين. واختتم النائب البرلماني: "النقل وإزالة البيوت المهددة ضرورة، لكن طبيعة المساكن الجديدة يمكن التفاوض عليها مع المحافظة، من خلال عقد جلسات استماع بين عدد من الصيادين ومحافظ الإسكندرية؛ لبحث إمكانية توفير سكن بديل يتناسب مع طبيعة الصيادين وحياتهم.