يبدو أن قطاع غزة يعيش حالة غير مسبوقة من التيه، وصلت به الى دعم الإجراءات العقابية الأخيرة " بلا وعي " والتي بدأت بجلد الموظفين بإحالة أعداد كبيرة منهم الى التقاعد بموجب قرار بقانون أصدره الرئيس دون مشاركة أي من الفصائل أو مكونات النظام القانوني الفلسطيني. 11/11/2017 يوم حمل في طياته تفاصيل كثيرة كان أسماها أن غزة ما زالت تحتفظ بقيمة الوفاء لقائد رحل وترك روحه معلقة بأجساد الغزيين حتى أطفال لم يروه، وتفاصيل أخرى سيطر عليها الإحباط حين تأمل شعب غزة أن يقوم الرئيس باستثمار هذا الجمع المهيب وهذه الاحتفالية ويعلن رفع العقوبات التي اتخذها قبل حل اللجنة الإدارية التي شكلتها حماس. لقد كان خطاباً باهتا بعيداً عن روح الجماهيرية وكأنه خطاب موجه لمؤسسة دولية أو محفل رسمي، وكذلك حال خطاب ممثل فتح في غزة والذي لم يطلب من الرئيس ما تواجدت لأجله مئات الآلاف، وفضل أن يتحدث في السياق العام للقضية مع بعض الوشايات على أشخاص لم تكن في محلها في مثل هذا اليوم. رأيت الحشود في ذلك اليوم جسد فتح بلا روحها، بعيداً عن جدال الأرقام الذي لا ينتهي لدينا، كانت فتح بقدها وقديدها حاضرة ولكنها كانت كالجثة الهامدة. لا شك في أن كل من حضر الفعالية قد جاء وفاءً لذكرى الخالد أبو عمار، ولكن السياسة تقول حين يخرج عدد كهذا بعد إجراءات امتهنت كثيراً من كرامة غزة، فلا ضير في ابقاءها أو زيادتها إذا اقتضت الحال ذلك بفعل التطورات اللحظية الناتجة عن أوضاع إقليمية متلاحقة، دون النظر كثيراً لآثار تلك الإجراءات على كافة مناحي حياة الغزيين، وما تنتجه تلك الآثار من ابتعاد لأبناء فتح في غزة عن مركزية الحركة، وزيادة التشرذم الفتحاوي الداخلي. قد يكون لغزة فرصة حياة إذا استكملت عجلة المصالحة مسيرتها حتى النهاية، ولكن ذلك مرتبط أيضا بمدى وعي سكان قطاع غزة لحقوقهم وأنه لا أحد يمن عليهم برواتبهم وتوفير تعليم ملائم وخدمة صحية جيدة وممر تواصل مع العالم الخارجي، وأن أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو القانون والعقد الاجتماعي. فًهْمْ تلك المبادئ وفرضها على أي حاكم يدير شئون غزة بعد ذلك من الضرورات لعدم العودة لمربع الضحية الجيدة التي تُجلد بالأمس وتمنح البيعة اليوم ولا تستطيع تحديد ما سيحدث بالغد! يجب أن يتولى الشباب المهروس منذ عشر سنوات دوره الطبيعي في حمل المرحلة الى بر آمن، بعيدا عن التجاذبات السياسية التي أنهكت الفلسطينيين على مر عقد مضى. ويجب أن يفرض الشباب نفسه كشريك أساسي وليس مجرد (عدد في الليمون)، وأن يعلو صوتهم عالياً لدى الفصائل ومصر، وأن يكونوا جزءاً من حراك المصالحة لكي يجدوا لأنفسهم مكاناً في المستقبل السياسي الفلسطيني، وعلى قاعدة أن (الغايب ملوش نايب) يجب عليهم أن يحضروا بقوة في التحركات السياسية والاجتماعية القادمة حتى لا يحسب عليهم أنهم عاقبوا أنفسهم بالغياب وليتصدوا لأي حالة تشرذم أو تقاعس في الوصول الى شاطئ الوحدة. كاتب فلسطيني