في مكانٍ ما على ظهر هذه الأرض، يوجد مجموعة من البشر المنتمين لنفس النوع يبدأ كلٌ منهم يومه بتسليط عينه ونقائصه الشخصية على إحداهن أو أكثر من واحدة، ليتابع تحركاتها، أسلوبها، طريقة كلامها وأي شيء تقوم به ليستخرج منه أي شيء يبرر به ما ينوي فعله سلفاً. وما ينوي فعله سلفاً هو أمر مُبهم العائد ومتعدد الأساليب، فقد يتتبعها ليلقي عليها بعض من كلماته النابعة من كَبته الجنسي أو العاطفي أو كليهما، وتلك الكلمات تتدرج من المغازلة العادية، مروراً بالتلميحات الخادشة للحياء أو الألفاظ السافلة الصريحة انتهاءً بالسباب.د. وقد يتتبعها ليتحرش بها جنسياً، وقد يضربها أو يلقي عليها أي شيء يجده أمامه. في الحالتين السابقين نجد أنفسنا أمام شخص فاقد للسيطرة على أطرافه وأعصابه بعد أن فقد السيطرة على عقله. الأهم من التفاصيل السابقة، والأهم أيضاً من سؤال "ما وجه الاستفادة التي تعود على رجل حينما يضرب امرأة لا يعرفها أو يعرفها؟"، والأكثر أهمية من الاستفسار عن نوع المتعة التي يلقاها شخص من لمس جسد فتاة لمدة لا تزيد على ثانية واحدة، أو الاستفهام عن حتى نوع المتعة التي تعود على المُغتَصب. الأمر بالغ الأهميّة هنا هو "كيف تستطيع أنثى أن تعيش في ظل هذه الأجواء؟". هذا السؤال الذي لا جواب له خاصة إذا امتدّت أطرافه لبحث تفاصيل يوم كل أنثى، كيف يبدأ يومها حينما تستيقظ لتستعد للخروج إلى الشارع؟ هل تستطيع أن تبدأ يومها بابتسامة؟ أم أنها تبدأ يومها بالتفكير في مدى إمكانيّة أن لا يكون يومها أسود! وحينما تبدأ في تناول إفطارها فيم تفكّر وكيف تطرد الخيالات المقززة عن أحداث قد تحدث لها خلال يومها؟ علماً بأن تلك الأحداث التي قد تحدث هي في الغالب سوف تحدث. وحينما تبدأ في الاستعداد لارتداء ملابسها، هل يكون اهتمامها بأناقتها ضمن أولويّاتها؟ أم أنها تهتم أكثر بأن تكون أقل إغراءً لهؤلاء الذين في الواقع ليس الإغراء هو ما يحركهم بل الهَوَس. وحينما تنظر إلى المرأة يكون تقييمها لهيئتها على أي أساس؟ العديد من التساؤلات بل عدد لا نهائي منها يمر على الذهن عن تفاصيل حياة الأنثى في ظل زمان ومكان ممتلئين بالمتربصين بها من كافة الاتجاهات، لتكون محاطة بعدد لا نهائي من الاحتمالات في ما يخص ردود أفعالهم تجاه مجرد مرورها من أمامهم. عدد لا نهائي من البذاءات تنتظرها، عدد لا نهائي من المخاوف التي تدور بداخلها، عدد لا نهائي من أشباه البشر ينتظرونها أسفل شرفتها ليبدءوا واحد تلو الآخر في نهش أعصابها قبل سمعها وبصرها وجسدها. بالطبع كرجل لا يمكنك أن تتخيّل الصورة الكاملة، ولكن بالتأكيد وبقدر بسيط من التفكير يمكن استنتاج أن التركيبة النفسية للأنثى وسط هذه الظروف تتغيّر شيئاً فشيء لتصبح عقيدتها الفكريّة تتمحور حول التربّص والترقّب والاستعداد الدائم لتطبيق أي استراتيجيّة دفاعيّة ضد مجرد النظر إليها، والذي في الغالب يكون بداية لعمليّة متسلسلة من الانتهاكات الممنهجة. المكتوب أعلاه ليس محاولة للتحليل النفسي للذكر والأنثى في ظل ظروف مجتمعيّة كان من المنطقي أن تكون استثنائية، ولكنها أصبحت معتادة. وهو أيضاً ليس محاولة لإيضاح أي شيء يخص المظهر العام للشارع، وليس بالتأكيد رد على أحد المستهترين الذين يندبون حظهم كذكور وسط فتيات ونساء لا يروقه سيادته مظهرهن بغض النظر عن مظهره هو ذاته، وليس نقد للمجتمع وإلا كان طال وامتد الحديث به وبتفاصيله. ما سبق ليس إلا مجرد مقدّمة قلتها لصديق جاء إليّ ليحكي باستياء عن فتاة كانت تسير في نفس طريقه بالصدفة بينما كان الطريق خالٍ إلا منهما، وفي لحظة ما وقفت لتسبّه وتركض دون أن يتعرّض لها –على نحو قوله- ليظل وحده مذهولاً. تلك المقدّمة التي أردت بها أن لا يختار الطريق السهل ليتهمها بالوسوسة والتوجّس المرضي، بل ليرهق نفسه قليلاً ليوجه غضبه لذكورته ويوزّعه على عشرات الملايين من بني نوعه الذين جعلوا من هيئته مصدر رعب للفتاة، وتسببوا له في مثل هذا الموقف الذي –و يا للألم- قد أثار حفيظته الطاهرة. ونسيت أن أحكي له أن "فتاة مول الحرية" التي تعرضت للتحرش والاعتداء بالضرب من رجل حصل على عقوبة مخففة، تلك الفتاة التي قام كائن "ريهام سعيد" بالتشهير بها أمام الملايين للدفاع "العمياني" عن المتحرش ومنهجه للحفاظ على "توازن المجتمع"، تلك الفتاة قد حصلت على ختم المجتمع المتوازن حينما قام المتهم السابق ذكره بتقطيع وجهها بآلة حادة ليحدث لها تشوّه نتمنى ألا يكون أبديًا عقابًا لها على الحياة هنا، فلا تحزن ولا تندهش حينما تنظر إحداهن نحوك كقاتل مُحتمل، فكُل شيء جائز يا صديقي.