"ألمانيا يجب أن تكون قبل أنفسنا" كانت هذه بداية الشعارات القومية الرنانة التي كان يطلقها النظام النازي، والتي كانت تؤثر في الجمهير بشكل كبير ومذهل في ظل فقر تعيشه ألمانيا النازية واستنزاف الموارد الألمانية وموارد الدول التي احتلتها ألمانيا بداية من عام 1939. هذه الشعارات القومية الرنانة التي كانت تؤثر على الجماهير بشكل كبير كانت من صنع صديقه جوزيف جوبلز وزير الدعاية السياسية، الذي سخر كل وسائل الدعايه الألمانية لتصوير أدولف هتلر على أنه المنقذ وأنه الشخص الملهم الذي يجب أن يكون الشعب الألماني وراءه. استخدام الآلة الإعلامية للكذب والتضليل كان ذو أثر على الشعب الألماني في البداية، وكان له أكبر الأثر في التحاق الشعب الألماني للخدمة في الجيش الألماني للمشاركة في انتصارات الجيش النازي، ولكن سرعان ما اكتشف الشعب الألماني الكذب الذي صدرته لهم الآلة الإعلامية والدعائية الخاصة بهتلر والتي كان يشرف عليها جوبلز. سعى أدولف هتلر منذ البداية على السيطرة على كل مؤسسات الدولة للانفراد بكل ما هو متاح من موارد، وساعده ذلك على اتخاذ جميع القرارات منفردا بدون الرجوع إلي أي شخص أو أي جهة، لقد محى هوية الدولة ومؤسساتها وأنظمتها، وأسس فقط ما يساعده على الانفراد بالحكم والسيطرة على أوروبا. الغياب الممنهج والمقصود لمؤسسات الدولة وتناقص مساحة حرية التعبير والحريات بشكل عام أدى إلى عدم قيام الدولة بواجباتها الأساسية تجاه مواطنيها وتأمين الحقوق والحريات وسيادة القانون بعدالة ومساواة، أدى إلى القمع والانتهااك باسم القانون، وكان هذا سبباً لانهيار الدول في كثير من الأمثلة. ضعف الدولة يأتي من أنظمة تسيطر عليها مجموعة من الأشخاص يرون في أنفسهم ما لا يراه الجميع ويتناسون دورهم الأساسي مما يخلق نزاعاً مستتراً بينهم وبين فئات أخرى ترى في نفسها القيادة والزعامة وتريد السيطرة هي الأخرى أو المشاركة في الزعامة، وهذا يؤدي إلى تناسيهم أدوارهم الأساسية المنوط بهم تنفيذها في المجتمع، وبروز الشقاق والخلافات فيما بينها على السلطة وعدم سماعهم أصوات المجتمع، ما يؤدي إلى قرارات غير مدروسة سواء اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تكون سبباً أساسيا في تصدع هذه الأنظمة وسقوطها. أكبر خطأ تقع فيه الأنظمة الديكتاتورية قبل سقوطها هو تهميش المجتمع وحجب الأفكار وعزل المجموعات السياسية، هذا العزل يؤدي إلي التطرف والإرهاب وعدم الانتماء والشعور بالاغتراب، وبالتأكيد احتكار فئة صغيرة لمقاليد الأمور في الدولة وسيطرتها على الثروات والاقتصاد وعدم إعطاء الحقوق يؤدي إلى العنف والاقتتال الداخلي، والاستسلام والخضوع للقوى الدولية. تحول الأنظمة الديكتاتورية لخلق قوانين تساعدها على مصادرة الحقوق بزعم إثارة الفتن والانتماء لجماعات محظورة وتهديد الأمن القومي وإسقاط الدولة على حساب واجبها الأساسي المنوطة به وهو نشر العدالة وحماية الحقوق والحريات والأقليات جعل من المجتمع عرضة للتطرف والعنف وحمل السلاح ظناً منه أنه السبيل الوحيد لتحقيق أحلامه المشروعة. كثير من الدول تجاوزت أزماتها وأدركت أن المفر الوحيد لعدم سقوطها في نفق بدون نهاية هو إطلاق الحريات وتخفيف القيود والعمل بمبدأ سيادة القانون والانسحاب التام من المشهد. لقد أدركنا كشعوب أن التمكين يبدأ مع الحريات والكرامة الإنسانية وصيانة الحقوق الأساسية للجميع. "إعطوني عشر سنوات وسأغير وجه ألمانيا" كانت مقولة شهيرة لأدولف هتلر في نهاية حكمه، لكن لم يصدقها الشعب الألماني ولا العالم بعد الخراب والدمار الذي كان سببا فيه، جملة كانت ولا زالت علي ألسنة كل الأنظمة الديكتاتورية الذين يصدرون لشعوبهم أن وجودهم سبب لرخائهم وتقدم الدولة.