قال إن المعلم المصري يعيش اسوأ ظروف اقتصادية واجتماعية، في ظل أجور متدنية، مما جعله يلجأ إلى تنظيف المنازل وقيادة التوك توك، وإنه فى عيده مقهور ومطحون ماديًّا، وتسيطر على مراكز اتخاذ القرار في التعليم الآن عقلية البيزنس، و"الهف واجري"، واستبعاد كل التربويين المتخصصين. تفاصيل كثيرة عن حال المعلم المصري تناولها محب عبود رئيس نقابة المعلمين المستقلة بالاسكندرية ،والخبير التربوى في حواره ، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمعلم الذي تنظمه اليونسكو 5 أكتوبر من كل عام، وتدور الاحتفالية هذا العام حول موضوع "تعزيز حريّة التدريس، وتمكين المعلّمين". فى اليوم العالمي للمعلم.. كيف تصف حالة المعلم المصري؟ المعلم المصرى هو الشماعة التي تعلق عليها الوزارات المتعاقبة للتعليم في مصر فشلها. تدهورت أجور العاملين بالتعليم وعلى رأسهم المعلمون إلى حد الاضطرار إلى العمل في تنظيف المنازل أو قيادة التوك توك. تحسين الأجور ذلك النداء الأبرز للمعلمين .. ولكن الوزارة تعلن أن ميزانيتها تلتهمها الأجور .. ما تعقيبك؟ بالفعل هذه حجج كل وزير يجلس على مقعد الوزارة، وقد وصل الحال بالوزير الحالي د. طارق شوقي إلى اتهام المعلمين بأنهم لصوص. الوزير يقول إن الوزارة تصرف 70 مليار جنيه مكافآت ومرتبات، ويورد بعدها رقمًا لعدد العاملين بالوزارة مليون و700 ألف، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن متوسط الأجر السنوى بالوزارة هو 41177 جنيهًا تقريبًا، بمعدل شهرى 3430 جنيهًا، وهو رقم في ذاته زهيد لا يتجاوز المائتي دولار شهريًّا في أفضل الأحوال، وإذا قارناه بما أصدرته اليونسكو منذ عدة سنوات أن متوسط الأجر المقبول للمعلم هو 750 دولارًا، أو قارناه بأجور نظرائهم من العاملين في البنوك وشركة الكهرباء وشركة الاتصالات… الخ، لاتضح لنا مدى ضآلته، هل تقصد أن 70 مليار جنيه تذهب كرواتب ضخمة لآخرين غير المعلمين؟ سوف أحلل الرقم بموضوعية، وهو الذي يكشف من هم اللصوص الحقيقيون، على سبيل المثال المعلم الذي مدة خدمته 25 سنة (تأبيدة كامله) يحصل على أجر شهري 2100 جنيه، فإذا أضفنا لهذا الراتب مكافأة الامتحانات موزعة على الشهور، أصبح راتبه حوالي 2450 جنيهًا شهريًّا، وإذا راعينا أن قطاعًا من هؤلاء المليون و700 ألف عامل أجورهم لا ترقى لنصف هذا الراتب، تظهر لنا الهوة الواسعة التي تفصل بين أرقام معاليه والواقع، لذا نطالب السيد الوزير ان يكشف لنا اللصوص الحقيقيين داخل الوزارة والذين يلتهمون بغير وجه حق غالبية كعكة ال70 مليار جنيه، ترى كم يتحصل السيد الوزير ومعاونوه وموظفوه ومساعدوه وغيرهم من 70 مليار جنيه؟ ولكن الوزير صرح أنه يحتاج فقط 20% من العاملين بالتعليم، لأن الأغلبية لا تقدم أي إنتاج. لأن الوزير يعتبرنا عالة عليه وعلى وزارته يقول هذا، هو لا يحتاج منهم سوى 20% ، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن ما يحتاجه الوزير هو 340000 فقط، ولأن ما لدينا من مدارس حكومية وخاصة وقومية، صناعية وزراعية وتجارية وفندقية، ثانوية وابتدائية وإعدادية هو 48000 مدرسة، ووفقًا لحسابات السيد الوزير يكون نصيب المدرسة إداريين ومعلمين وعمالًا هو 7 فقط، فإذا خصمنا من هذا العدد العاملين في الإدارات التعليمية والمديريات وديوان عام الوزارة، اتضح لنا مدى الارتجالية والعشوائية في أرقام معالي الوزير. ولكن هناك اتهامات بأن المعلم يكرث كل مجهوده للدروس الخصوصية، لذا أي أجور يطالب بزيادتها؟ سواء الوزير الحالي أو غيره من الوزراء السابقين، كلهم يتعاملون مع الدرس الخصوصي باعتباره مرضًا وليس عرضًا، وهنا جوهر المشكلة، الدرس الخصوصي ظهر واستفحل حين أصبح التعليم في المدارس يقوم على التلقين والحفظ وليس على الابتكار والإبداع والتفكير، وعندما تكدست الفصول بالتلاميذ بما يتجاوز استيعاب الفصل، أو قدرات التلميذ على الفهم. وأصبح العقاب البدني في المرحلة الابتدائية هو أداة التربية الرئيسية في بلادنا. كيف تقيم المنظومة التعليمية في ظل التصريحات المتلاحقة للوزير بالتطوير؟ أي تطوير ولم يتم تزويد مدارسنا الحكومية والمعروفة بالمجانية حتى الآن بأدوات العصر في تكنولوجيا المعرفة والكفاءة والإعداد التي تمكنها من التأثير فى عقول النشء؟ بل توقفت المدرسة عن أداء دورها في نشر الاستنارة والتفكير العلمي في البيئة المحيطة وبين أولياء أمور تلاميذها. تسيطر على مراكز اتخاذ القرار في التعليم الآن عقلية البيزنس، و"الهف واجري"، و"إن خرب بيت أبوك خد لك منه طوبة"، وتمكن مجموعة من البيروقراطيين ورجال الأمن من إبعاد علماء التربية المصريين عن القدرة على التأثير على القرارات في منظومة التعليم. ولكن ماذا لو ركز المعلم دوره في الفصل.. أليس هذا يقلل من لجوء الطلاب للدروس الخصوصية؟ الدروس الخصوصية موجودة ابتداء من كي جي 1 حتى الجامعة. هل المدرسون مسؤولون أيضًا عن الدروس في الجامعة؟! دروس الثانوية العامة في شهر 7، وبالنسبة للسنوات التى تسبقها تبدأ قبل بداية العام الدراسي بشهر على الأقل، وهذا الحال موجود منذ مطلع الثمانينيات في القرن الماضى، كيف يمارس المدرس ضغوطه على الطلاب خلال أكثر من 30 سنة، ليجبرهم على الدروس بينما يبدأ الطلاب الدروس قبل بداية العام الدراسي، أى قبل أن يلتقوا مدرسيهم في الفصول المدرسية؟! ثم إذا درس الطالب الدرس الأول في مطلع شهر 7، بينما يبدأ العام الدراسي في النصف الثاني من شهر سبتمبر، كيف سينصت الطالب لمدرس الفصل الذي يبدأ في شرح الدرس الأول بينما هو على وشك الانتهاء من مقرر الترم الأول؟! متى ينتهي صداع الدروس الخصوصية الذي يرهق الأهالي وغابت معه شعارات التعليم المجاني؟ الدروس الخصوصية أصبحت ثقافة مجتمعية سلبية، الطالب الذى اعتاد الدروس وعمره خمس سنوات، هل نتصور أنه سيستغني عنها وهو في الثانوية العامة؟ إهدار الأموال في تجارب فاشلة ومطاردات بوليسية لمنع الدروس في الثانوية العامة هو عبث. إذا أردنا علاجًا حقيقيًّا لمنظومة التعليم، فلنبداً من المرحلة الابتدائية، ونحل كل الأزمات التي تواجه العملية التعليمية من مناهج ومدارس، وأن تكون لمصر استراتيجية واضحة في التعليم. هل ترى أن التعليم المصرى في خطر؟ بكل تأكيد، حيث تحولت وظيفة التعليم من تدريب النشء على التفكير الإبداعي الحر، إلى تعويدهم الخضوع لصاحب السلطة، سواء كان في الفصل أو في المدرسة أو في الوزارة أو في المجتمع، وغاب دور المجتمع ممثلاً في مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب ومجلس النواب عن تحديد أهداف التعليم في بلادنا والرقابة على أداء السلطة التنقيذية ممثلة في الوزير أو باقي البيروقراطيين بالوزارة، وتوهم السيد الوزير أن دوره تحديد أهداف التعليم، وليس الالتزام بتنفيذ الخطط التي تم تكليفه بها من قبل ممثلي المجتمع.