تصور البعض أن الدور المصرى فى إنهاء الخلافات بين فصيلى فتح وحماس، والذى توج بحضور وزير الدولة رئيس المخابرات اللواء خالد فوزى يبدو مقدمة لمصالحة بين الدولة وجماعة الإخوان، وفى تقديرى أن هذا ربط متعسف يتجاهل حقائق الأمور والمتغيرات الجديدة التى ضربت الإقليم والعالم ويسفه حجم الإنجاز الذى تحقق. كانت حماس فى السابق تراهن على الأيديولوجيا الإخوانية وتنظيم الإخوان القوى المتشعب فى العديد من الدول والنافذ فى عواصم صناعة القرار، وألقت حماس نفسها بشكل كامل فى جعبة الإخوان خصوصا بعد نجاح التنظيم القطبى فى الوصول الى الحكم فى مصر، حيث تصورت أن لحظة التحرير حانت وسيلتحم الجيش المصرى مع كتائب عز الدين القسام وباقى الفصائل المقاومة فى معركة التحرير التى تبدو على وشك الإنطلاق، ومن ثم تتابعت المؤتمرات فى غزة تعلن بوضوح أن حماس هى الفرع الفلسطينى من تنظيم الإخوان العالمي، وأن كتائب عز الدين القسام هى الذراع العسكرى للجماعة، وتبارى الخطباء والسياسيون فى الرهان على هذا الوهم الجديد، الذى تصوره السوبرمان الذى سيعيد رسم خرائط العالم والمنطقة، خصوصا أن نظرية الإخوان فى التغيير تحدثت عن تلك المراحل التى تنتهى بأستاذية العالم، حين يقف العالم مشدوها أمام تلك الحضارة التى شيدها الإخوان عبر دول يحكموها ضمن إطار الخلافة الإسلامية المتوهمة. ربما بدا ذلك مفهوما فى وعى حركة دينية طوباوية تعادي الواقع بهدف تغييره حسب تصورها، لكنه لم يكن مقبولا ولا مفهوما فى ممارسة حركة تقدم نفسها كتيار سياسي يعد الشعب الفلسطينى باسترداد حقوقه المغتصبة عبر المزج بين السياسة والبندقية ومحاولة احتكار القرار الوطنى الفلسطينى عبر دعاية مكثفة تتهم جل الفصائل الفلسطينية بالخيانة والتفريط فى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى. راهنت حماس بكل أوراقها على الإخوان فى مصر، وحين انهارت تجربة الإخوان فى مصر وتتابع انهيارها فى العديد من دول العالم العربى، وامتداد الزلزال إلى فروع التنظيم فى أوروبا وأمريكا، وتورط أجنحة من الإخوان فى العنف ما ساهم فى تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابى فى العديد من الدول، حتى بدأت فروع التنظيم تباعا فى نفي صلتها بالإخوان إضافة الى ما جرى فى المنطقة من تطورات لم يكن أقلها وطأة خروج الجيش السورى من المعادلة عبر تدمير سوريا بالكامل لحساب إسرائيل، وكان العراق قد سبقها عبر ترتيبات أخرى وكان المخطط إنهاء دور الجيوش العربية بالكامل من المعادلة، ليصبح الكيان الصهيونى هو الأخطر والأٌقوى فتصبح التسوية ميسورة بحسب المصالح والحسابات الصهيونية. وجدت حماس نفسها فى مواجهة واقع جديد لم تحسن قراءة مقدماته، بالرغم من آراء داخلها كانت تنصح بأن تبقى حماس حركة مقاومة، وتترك التفاوض لفصائل فلسطينية أخرى فى تكامل بين فضاء البندقية ومائدة التفاوض التى انعكس عليها واقع الفصائل والتشظى الذى ضرب الحالة العربية بكاملها وليس الفلسطينية فحسب. هذا الواقع كان يفرض عليها أن تعود حركة مقاومة وتبدي أكبر قدر من التفاعل البناء مع شركائها فى الوطن المهدور من جهة، ومع النظام السياسى المصرى الذي لم يتخل ولا يستطيع أن يتخلى عن قضيته المركزية التى تحولت إلى أحد أسس شرعية أى نظام حاكم، ومن ثم إنطلق جهد ضخم للمخابرات المصرية، التى راكمت خبرات مهمة فى التعاطي مع القضية وأصحابها، كان الدور الرئيس للمخابرات المصرية هو إعطاء الإخوة فى حماس نظارة مكبرة يرون بها الواقع الجديد، وقد همس لى أحد النافذين فى هذا الملف بأنهم أبدو إخلاصا كبيرا وثقة بمصر ودورها وحضورها، ما مكن من إنجاز الخطوة الأولى للمصالحة بانعقاد اجتماع حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينى فى غزة لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات. تحية لحركة حماس التى ارتفعت إلى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية وللمخابرات المصرية وللنظام السياسى المصرى الذى نجح فى هذا الاختراق الذى نتمنى أن يصل لمحطته النهائية بتكريس تكامل حقيقى بين البندقية والتفاوض، لتأمين ما يسمح به الواقع الحالي من حقوق الشعب الفلسطينى المهدورة، حتى ننجح كعرب فى تغيير هذا الواقع بما يغرى بهامش أوسع للحقوق، فالنتائج فى النهاية هى إنعكاس لحقائق القوة على الأرض، وهو ما ينبغى أن يشغلنا كشعوب وأنظمة تخلفت كثيرا عن ركب التقدم، ولم يعد بإمكانها سوى الحركة فى الهامش وفق حظوظها المتواضعة من الإنجاز السياسى والاقتصادى والاجتماعى.