ارتبط شهر رمضان عند المسلمين بروحانيات جمة أصبحت بمثابة عيد عندهم، وذلك منذ رؤية هلال رمضان شهر الصيام والغفران والطاعات والرحمات، إلى الشوارع والمساجد التي تتزين لاستقبال الشهر الكريم؛ وتجد المساجد تتكدس بالمصلين لأداء صلاة التراويح، وسط دعاء وتوسل إلى الله، فضلًا جلسات الذكر والمديح والابتهالات والمنشدين الذين تغشى أصواتهم كل مكان، فيقبلون على مساجد آل البيت لما بها من روحانيات خاصة. الأعراف القديمة هناك عادات وتقاليد ارتبطت أرتباطًا وثيقًا بهذا الشهر، ما بين فوانيس وزينة رمضان التي يعكف عليها الصغار قبل رمضان، حتى الانتهاء من تعليقها مع بدء الشهر الكريم، ويحملون الفوانيس وأصواتهم ويجوبون الشوارع وهو يرددون «وحوي يا وحوي أيحا»، والمسحراتي الذي يجوب الأرض لإيقاظ الناس حتى يتناولوا وجبة السحور، فضلًا عن موائد الرحمن والصدقة والزكاة تزداد.. رمضان.. شهر الأكل اختلف المشهد ليصبح رمضان شهر الأكل، فتجد الأسواق كأنها خلية نحل والكل يسارع على شراء مستلزمات الشهر من أشهى الأطعمة، ويجلس عدد كبير من الناس أمام التلفاز طية اليوم لمشاهد المسلسلات والبرامج، بعد أن أصبح رمضان سباقًا دراميًّا. وتغرق الإعلانات المستهلكة الشوارع والتليفزيون والراديو، وكأنه موسم خاص بها، والمحلات والأسواق ترفع الأسعار نظرًا لزيادة الإقبال على الشراء، وتنشط حركة البيع والشراء خلال شهر رمضان، مظاهر من البذخ والبعد عن الأصل في هذا الشهر وعدم اغتنام الوقت للتقرب من الله، فقط نلحق بمشاهدة التلفاز من مسلسل إلى آخر ومن إعلان إلى إعلان، ويصبح هذا هو حديث السوشيال ميديا. رمضان على طريقة الكريسماس تحول شهر رمضان إلى تقليد أعمى للغرب في احتفالاتهم بأعياد الكريسماس طيلة شهر ديسمبر، فقد تحول شهر رمضان إلى احتفالية على طريقة الغرب، وتم ربط اسمه بالاحتفالات والسهرات الرمضانية، وتجد الفنانين يحيون الحفلات كل ليلة، مع الإعلان عن ليال رمضانية، حتى تحول الشهر من اعتكاف في المساجد إلى اعتكاف في الأماكن الترفيهية، وعلى جانب آخر تجد أغلب العاملين والموظفين ما بين الإجازات وتقليص ساعات العمل. ويتناول ابن غيلان في بحث له بعنوان «التقليد الأعمى من شباب الإسلام لشباب الغرب» محاولة الغرب لطمس هوية المسلمين ويقول: هناك محاولات مستميتة من الغزو الغربي للإسلام منذ القرن التاسع عشر الميلادي ومستمرة حتى الآن، من خلال غزو فكري وثقافي، من خلال تشويه القيم العربية والإسلامية بالسيطرة على عقول الشباب وترسيخ المفاهيم الغربية وأسلوب حياتهم من طريقة لبس وأكل وتحدث اللغات الأجنبية وإهمال اللغة العربية لغة القرآن، وتقليد بعض التقاليع الغربية كعيد الحب وعيد الأم وكذبة أبريل وغيرها. العرب والمبالغة في الاحتفالات قالت سامية خضر، أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس: قد نظلم الغرب بالمبالغة في الاحتفالات؛ لأننا قد كسرنا كل الحدود خلال شهر رمضان، فهم لا يبالغون في الأكل إلى هذا الحد، ولهم مواعيد محددة للطعام والرياضة والعمل، وتجدهم دائمًا يوصفون العرب بأنهم لا يعملون في رمضان ويقل إنتاجهم، فهذه هي الصورة المأخوذة عنا. وأضافت خضر ل«البديل»: «احنا عاوزين نأكل ونشرب وننام ونخلف ولا ننتج، هي ديه ثقافة المصريين والعرب في العموم»، على عكس الغرب تمامًا، ووفقًا للإحصائيات فإن العرب سجلوا أعلى نسبة استهلاك بدون إنتاج في العالم، لكن المشكلة تكمن هنا في الثقافة الخطأ التي تربينا عليها وتصدر لنا بشكل يومي في الفضائيات وعدم فهمنا الصحيح لشهر رمضان، مؤكدًا أن الفضائيات التي تنتشر بشكل كبير في الأيام الأخيرة عملت على مسح الثقافة المصرية حتى سطحت فكر المصريين. الفضائيات تضع السم في العسل وأشارت سامية خضر إلى أن المحتوى الدرامي المقدم في شهر رمضان لا يليق بهذا الشهر من مصطلحات وألفاظ خارجة ومشاهد مسيئة، حيث اختفى دور الرقابة الحقيقية على الأعمال الدرامية، مضيفًا أن لا يوجد عمل يشجعنا على أن العمل والعبادة والعطاء والأخلاق والأعمال الخيرية. وشهر رمضان هو منحة ربانية لتجديد أخلاقنا وتهذيبها، وإيقاظ النفس والعودة إلى الأصل، ونعرف أن شهر رمضان للعبادة والصوم والصلاة والاعتكاف والأعمال الخيرية، حتى نتعلم منه كيفية التعامل طول أيام السنة، وألَّا نتأثر بالهويات الثقافية الأخرى في كل شيء، وأن تكون المحاكاة لما يناسبنا فقط وليس تقليدًا أعمى دون تفكير.