رغم قلة الأحداث على الساحة الدولية المرتبطة بمصر، إلا أن الأسبوع الماضي شهد زيارات لعدد من المسؤولين للقاهرة؛ لبحث العلاقات الثنائية، بدءًا من انعقاد اجتماعات 2+2 التي تضم وزيري الدفاع والخارجية في مصر وروسيا، مرورًا بزيارة للقائد الأعلى لقوات حلف الناتو لمصر، وصولًا إلى استمرار القرارات السودانية الاستفزازية تجاه مصر. اجتماع 2+2 بين روسيا ومصر بدا واضحًا في الآونة الأخيرة ابتعاد القاهرة نسبيًّا عن الشرق (روسيا والصين)، لاسيما مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكم، فإبان فترة الرئيس السابق اوباما كانت العلاقات المصرية الروسية على أفضل ما يرام، من صفقات عسكرية وتنسيق في قضايا المنطقة وتعزيز للعلاقات الثنائية ولقاءات وقمم رئاسية وزيارات متبادلة على خلفية أن علاقة القاهرة بواشنطن كانت في أدنى مستوياتها، وهو ما أثر بالإيجاب على علاقات القاهرةوموسكو. وفي الوقت الذي جاء ترامب فيه إلى الحكم، ظهرت بوادر إيجابية في عودة العلاقات الأمريكية المصرية، حيث أملت القاهرة كثيرًا في أن يكون الرئيس الأمريكي الجديد حليفًا قويًّا لمصر، الأمر الذي أثر نسبيًّا على العلاقة مع موسكو وإن كانت القاهرة دائمًا قد حاولت أن تحافظ على إبقاء العلاقات كما هي. وبعد زيارة ترامب للمنطقة والإعلان عن تدشين تحالف عربي أمريكي والحشد لتقويض تحركات طهران، كانت لروسيا تحفظات من أن يكون هذا الحلف موجهًا لمصالحها في المنطقة، ولأن القاهرة ما زالت تحافظ على علاقات متشعبة إلى حد ما مع موسكو، كان لابد من استطلاع الموقف من القاهرة. وخاض وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان زيارة للقاهرة في الأسبوع الماضي، تخللتها مباحثات مشتركة مع نظيريهما المصريين، وذلك لبحث العلاقات الثنائية وإعادة الدفء لعلاقات البلدين بعد الفتور الطويل الذي أصابها عقب سقوط طائرة الركاب الروسية شمال سيناء في آخر أكتوبر 2015، بما فى ذلك إعادة رحلات الطيران وحركة السياحة الروسية، والدعم الروسي للموقف المصري من الإرهاب، والموقف من الصراعات فى سوريا وليبيا والعراق التى لا يختلف بشأنها موقف البلدين كثيرًا، ثم أخيرًا المضي قدمًا نحو إنشاء المحطة النووية فى الضبعة. ومن جهة القاهرة فإن الاجتماع يستهدف تدعيم العلاقات والحرص على وجود قدر من التوازن في علاقاتها الخارجية، مهما تكن خصوصية علاقتها بالولاياتالمتحدة، لاسيما وأن روسيا هي الدولة الأكبر التي تناطح وتوازن القوة الأمريكية. ومن المنطقي من ناحية روسيا أن تهتم بمنطقة الشرق الأوسط، التي لها فيها مصالح حيوية، وذلك بالعلاقة مع مصر، وفضلًا عن ذلك فليس من الغريب أن علاقات مصر المتنامية مع الولاياتالمتحدة تدفع روسيا لموازنة هذا الحضور الأمريكي القوي في المنطقة. قائد حلف الناتو في القاهرة زيارة خاضها دينيس ميرسير، قائد قيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) للقاهرة؛ للقاء المسؤولين المصريين، وتهتم مصر منذ وصول النظام السياسي الراهن إلى الحكم بالعمل على تثبيت أركان حكمه بالتقارب للدول الإقليمية والدولية الكبرى، ظهر هذا جليًّا في الزيارات المتعددة لوزير الخارجية والرئيس السيسي وتقارب وجهة النظر المصرية في العديد من القضايا الدولية مع وجهة النظر الدولية. وعملت الإدارة المصرية خلال الفترة الأخيرة على تعزيز التقارب المصري الأمريكي، عبر عشرات الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها المسؤولون العسكريون والسياسيون الأمريكيون لمصر، وكذلك المصريون للولايات المتحدة، ومع إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تطلعت الحكومة المصرية إلى زيادة التقارب، وهو ما برزت مؤشراته، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فبعد تولي ترامب رسميًّا السلطة دعا لتعزيز دور نظام الحكم في مصر، من خلال حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حتى تم الإعلان عن اختيار مصر لأول مرة "ممثلاً دبلوماسيًّا" داخل الحلف، في 2 مارس 2017، واعتماد ذلك رسميًّا في مصر بتاريخ 16 مارس 2017. وأصدر السيسي قرارًا جمهوريًّا رقم 116 لسنة 2017 بإنشاء بعثة لجمهورية مصر العربية لدى منظمة حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، ومن جانبه رحّب "ينس ستولتنبرج"، أمين عام حلف شمال الأطلنطى، بقرار مصر تعيين سفير لها بالحلف والتعاون المشترك بين الناتو والقاهرة، مشيرًا إلى أن القرار سيعزز من شكل ونوع التعاون المشترك بين الناتو والقاهرة، كما يزيد من حجم التدريبات المشتركة بين الطرفين. ولهذا القرار دوافع عدة، أبرزها أن الحلف سيقدم لمصر بعض المعدات والأسلحة الجديدة، وذلك لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى بحث الرؤية المصرية في الأزمة الليبية وتأمين السواحل الأوروبية، كما أن التعاون بين مصر وحلف الناتو سيسمح بوجود تنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي ومصر داخل عدد من الدول الإفريقية، بالإضافة إلى طرح مصر رؤى مختلفة لحل الأزمات المختلفة التى تهدد دول الاتحاد الأوروبي. وفي مارس الماضي قرر حلف شمال الأطلنطى اعتماد سفارة بلجيكابالقاهرة كنقطة اتصال في مصر، وذلك في إطار الشراكة التي تجمع بين مصر والحلف، ويعتبر البعض أن التمثيل الدبلوماسي يعتبر خطوة من أجل الوصول لأخذ العضوية الكاملة فيه، بما يؤدي بشكل تلقائي لتعزيز مكانة مصر السياسية في المنطقة. قرارات سودانية استفزازية تجاه مصر لا يخلو أسبوع في الفترة الأخيرة، إلا ويظهر فيه تطورات كثيرة في العلاقات المصرية السودانية المتدحرجة، حيث يتصاعد التوتر بين الخرطوموالقاهرة في الأيام الماضية، في ظل تسارع القرارات التي تتخذها الخرطوم ضد مصر، وآخرها وقف نهائي لاستيراد المواد الزراعية والحيوانية المصرية، الأمر الذي من الممكن أن يعمق الخلافات الدائرة بين البلدين، لاسيما وأن مصر تعد من أكبر مصدري المواد الغذائية للخرطوم، كما أن منتجات عدد من البلاد العربية تمر عبر أراضيها إلى السودان، الأمر الذي يثير تخوفات من أن يتخذ الموقف الأخير أبعادًا أخرى أكثر احتدامًا، ما لم يتم الإسراع في احتوائه. في المقابل تحاول القاهرة احتواء التوتر عبر تصريحات مهادنة دبلوماسيًّا، وذلك من أجل الحفاظ على شعرة معاوية في العلاقة مع السودان التي يربطهما مصالح جمة وتهديدات كثيرة تتربص بكليهما. ويأتي هذا القرار بعد مجموعة من التصريحات والاتهامات السودانية الموجهة لمصر، في الآونة الأخيرة، قد تضر كثيرًا بالعلاقات المصرية السودانية، فبدءًا من تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير أن القاهرة تدعم متمردي دارفور، مرورًا بفرض حظر شامل على السلع الزراعية المصرية في مارس الماضي؛ مما عزز القيود التي كانت قد فرضتها بداية سبتمبر لحظر الفواكه والخضراوات والأسماك المصرية؛ بدعوى وجود تهديدات صحية، وصولًا إلى القرار الأخير الذي تضمن الحظر النهائي. وعلى الرغم من أنه لا يوجد أسباب واضحة أبداها الطرف السوداني من اتخاذ هذه الخطوة، لكن يرى متابعون للعلاقات المصرية السودانية أن جميع المؤشرات تؤكد أن قرار حظر استيراد السلع المصرية يأتي في سياق أزمة محتدمة بين البلدين، لاسيما وأنه يتضح من المؤشرات أن القرار جاء على خلفية سياسية وليس فنية، فبالإضافة إلى التصريحات المصرية التي تعبر عن الصدمة من اتخاذ مثل هذه الخطوة في ذلك الوقت، كان من المفترض أن يزور وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور القاهرة في هذه الفترة، إلا أنه أعلن الاثنين الماضي عن تأجيل زيارته إلى أجل غير مسمى؛ بسبب «انشغالات داخلية».