رغم الإغلاق المستمر لمعبر رفح البري، الوحيد الواصل بين قطاع غزة وجمهورية مصر، والذي يتسبب إغلاقه بفقر الحركة المرورية للسكان من وإلى القاهرة، لم تتوقف الأعمال التي تعبر عن العمق التاريخي بين مصر وفلسطين، وعن حب الناس لبعضهم البعض، رغم أي ظروف سياسية أو اقتصادية. ففي القاهرة، يذهب المصريون إلى سوق غزة، وفي غزة، يصنع المواطنون مقهى القاهرة، بنكهة مصرية بحتة، وتعامل مالي لأول مرة في قطاع غزة، بالجنيه المصري. على الطريق الساحلي لمدينة رفح، وعلى بعد كيلو متر واحد من الحدود البرية بين قطاع غزة وجمهورية مصر، يقيم فلسطينيون مقهىً أسموه "مقهى القاهرة"، الذي يحاكي بعض مظاهر الحياة الجميلة في مصر، ويشمل المقهى، أهم المعالم الحضارية في مصر، كالأهرام، وتمثال أبو الهول، وعلاوة على ذلك، يصمم القائمون على المقهى، أن تكون العملة المتداولة في المقهى هي الجنيه المصري، للتأكيد على الترابط بين الشعبين. على مساحة 3 دونمات، تتجول في مقهى القاهرة وكأنك فيها بالفعل، فهنا تجد مقهىً صغيرا داخل المقهى الكبير، يحمل أسم الست أم كلثوم، ولا يتوقف صوتها في المكان، وعلى جانب آخر، تجد مجسمات استغرق العمل عليها أكثر من ثلاثة شهور، تجسد الأهرام، وأبو الهول، ومسجد الحسين، ودار الأوبرا المصرية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبرج القاهرة بارتفاع عشرة أمتار، وصالون للحلاقة كُتب عليه صالون محمد الصغير، ومحلا مختصا بأكلة الكشري المصرية، مرفوعا فوقها علم جمهورية مصر، ونقش على جدرانها رسوم وكلمات فرعونية، لتشعر أنك بالفعل تتنقل فيها. القائمون على المقهى أرادوا أن يشعروا زبائنهم أنهم بالفعل في القاهرة، فقاموا بتسمية الممرات بأسماء شوارع مصرية، مثل شارع المعز، وشارع شهاب، وكانت هذه الأفكار كلها نابعة من عيش القائمين على المقهى في مصر لفترات طويلة، وحبهم للحياة فيها، ما دفعهم لتصميم هذا المكان. ويقول نضال الجرمي، أحد القائمين على العمل ل"البديل" إنه بدأ بصناعة مجسمات تحاكي الحضارة المصرية بعدما عاد منها قبل سنوات، مشيرا إلى أن هذه الفكرة بقيت تمتد، وأصبح بعد ذلك يرغب في تطبيقها ليصنع معلما أثريا يعزز علاقة الشعب الفلسطيني بالشعب المصري، ويحول هذا المكان لمزار لمن يرغب في زيارة مصر، للتعرف على بعض معالمها في غزة. وبدأ الجرمي بالفعل بتطبيق هذه الفكرة، بالبحث عن قطعة أرض لتحتوي المعالم التي يريد أن يضعها في هذا المكان، وما أن وجد الأرض، بدأ بالعمل فيها ومعه أخوته وأقاربه وعدد من الفنانين ليصنعوا المجسمات. وقام الجرمي وفريقه بإنجاز أكثر من 70% من العمل، ويتوقع أن يتم افتتاحه في أول أيام عيد الفطر. ويهدف الجرمي بأن يجعل الزائرين يشعرون بأنهم في مصر، خصوصا أولئك الذين يتمنون زيارتها، ولا يستيطعون نتيجة إغلاق معبر رفح وعدم السماح للجميع لدخولها إلا الحالات الإنسانية. ويؤكد أن الشعب المصري والفلسطيني شعبا واحدا لا يفترقان، وبينهما روابط جغرافية وتاريخية واجتماعية، إضافة للقرابة والتصاهر. مضيفا أن التعامل المالي بالمقهى سيكون بعملة الجنيه المصري، وليس بالشيكل، كما عملوا على أن تكون الإضاءة الليلة محاكية للإضاءة في الشوارع المصرية، إضافة للأغاني المصرية التي لن تنقطع من المقهى، خاصة أغاني أم كلثوم.