خطورة ما كشفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، حول تسريب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أسرارًا عسكرية لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، لا تكمن في تداعيات الخبر الذي استدعى نفيًا من البيت الأبيض فقط، بل في كونه دليلًا على إرباك الإدارة الأمريكية نتيجة صراع داخلي، أبرز ملامحه إعلان مرشحة الرئاسة الخاسرة، هيلاري كلينتون، عن تأسيس حركة "إلى الإمام معًا" لمواجهة ترامب وسياسته. ترامب.. وروسيا: سريعًا جاء التوضيح الأمريكي وكشف البيت الأبيض أن رئيسه ترامب لم يتحدث أبدًا خلف الأبواب الموصدة عن الأسرار الممنوعة وعن أساليب الاستخبارات أو مصادرها خلال استقباله لافروف في المكتب البيضاوي، لكن الاجتماع المغلق الذي لم تخرج له مقاطع فيديو، سرب عنه مقال في صحيفة واشنطن بوست يتهم ترامب بكشف معلومات سرية للغاية، ولم يمر هذا المقال مرور الكرام، وسارعت أطراف أمريكية أولًا ثم روسٌ لاحقًا إلى نفي مضمونه، حيث احتاج الأمر إلى بيان توضيحي من وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الذي أكد أن ترامب لم يتحدث عن مصادر أو وسائل أو عمليات عسكرية خلال اجتماعه مع لافروف، مضيفًا أن الاجتماع ناقش سلسلة موضوعات بينها التهديدات والجهود المشتركة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وهو ما أكده أيضًا مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، هربرت ريموند ماكماستر. الصحيفة كانت قد كشفت عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، أن المعلومات التي قدمها ترامب تتعلق بالحرب على تنظيم داعش، زاعمةً أن واشنطن حصلت على هذه المعلومات من أحد حلفائها الذي لم يمنح الولاياتالمتحدة الحق في مشاركتها مع الروس. صحيفة نيويورك تايمز بدورها قالت إن ترامب كشف عن معلومات سرية، لكنها تابعت بالقول إن هذا من سلطات الرئيس وصلاحياته القانونية. من جهتها نفت روسيا أيضًا هذه التقارير المشاعة، وجاء توصيف الخارجية الروسية للقصة بالمفبركة. ويرى مراقبون أن المصادر المجهولة التي سربت الخبر لوكالات الأنباء الأمريكية من الواضح أنها تحاول أن تحشر ترامب في الزاوية، وتأتي هذه النظرة من خلفية ملاحقة الصحف الأمريكية لترامب، ويقول الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، راي ماكغفون، أن وسائل الإعلام الكبرى هي جزء من الدولة العميقة بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والتي تسعى لملاحقة ترامب. ويرى ماكغفون أن الحملة ضد ترامب تتم من خلال الدولة العميقة بواشنطن التي لا تريد علاقة جيدة مع روسيا، وهذه الدولة العميقة قد تخشى من أن ترامب بالفعل قال الحقيقة أنه لا سبب لعدم التعاون مع الروس. انعكاسات الصراع الداخلي على السياسة الخارجية لترامب: ليس من المبالغة القول أن واشنطن تشهد فصلًا جديدًا من فصول صراع اللوبيات التي تتحكم في النهاية بقرار القوة العظمى في العالم، ووصول ترامب يساهم في ظهور العمل الخفي والفعلي لهذه اللوبيات في كل المجالات العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادي، فعفوية الرجل الوافد من عالم العقارات والمال بالمجاهرة بحقه في تبادل الأسرار قد تساهم في فهم الهجوم المدروس ضده من الديمقراطيين وجزء من الجمهوريين. في الظاهر قد يبدو الهدف من الرد والأخذ في مسألة إفشاء ترامب أسرارًا عسكرية مع روسيا، هو إظهار ترامب بصورة الشخص غير المؤتمن على أسرار بلاده، مع احتمالية أن تقود هذه التحركات إلى المطالبة بتنحيته استنادًا إلى الدستور الأمريكي، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ترامب إلى هذا النوع من الضغط الداخلي، وللمفارقة أسلوبه في الرد قائم على جزئين تغريدة على وسائل التواصل وإلهاء خارجي، ووفق هذه القاعدة الذهبية تمكن ترامب من إلغاء قانون أوباما كير الداخلي بورقة خارجية عنوانها الاعتداء على مطار الشعيرات السوري، وهكذا فعل في أكثر من محطة من حربه الكلامية مع كوريا الشمالية وقراره إبقاء القوات الأمريكية في العراق. تصاعد الضغوط الداخلية على إدارة ترامب تدفعه على ما يبدو إلى فتح جبهات خارجية لتنفيسها وحرف الأنظار، وقد لا يبتعد القصف الأمريكي لسوريا، ثم الإعلان عن محرقة لجثث المعتقلين قرب سجن صيدنايا التي نفتها الحكومة السورية عن هذا الإطار، وليس معروفًا ما إذا كانت سياسة تصدير الأزمات التي يتبعها ترامب ستنجح في التقليل من محاولات ما يسمى بالدولة العميقة لإفشال أي محاولة لتقارب مع موسكو أم لا؟ صراع اللوبيات في أمريكا قاد أسلاف ترامب أحيانًا إلى الاغتيال كما حدث مع جون كيندي عندما قرر الخروج من الفيتنام، أو الإقالة كما حدث مع ريتشارد نيكسون، وهنا لا يجب أن ننسى أن ترامب حارب الدولة العميقة، من خلال طرده، لجيمس كومي مدير الإف بي أي، كما عين رئيسا لوكالة الاستخبارات، مايك بومبيو، بالإضافة لصراعاته مع القضاء الأمريكي الذي يرفض تمرير قرارته حول الهجرة، ولكن الثابت هنا أن الخارج غالبًا هو من يدفع ثمن تصفية الحسابات في الداخل الأمريكي.