"الفلاحة ماتت ولازم نسلك نفسنا" تحريف الجملة الخالدة للأديب العالمي نجيب محفوظ و"المشهد الماستر بيس" المحفور في ذاكرة المشاهد في فيلم ثرثرة فوق النيل، التحريف بات المرجع الأساسي والقاعدة القانونية لكل أعضاء جمعية المنتفعين ببر مصر، فقط حرف واحد تغير وبدلا من تسليم أنفسهم لكونهم الجناة الأساسيين لكل الجرائم المرتكبة في حق الوطن على مدار عقود طويلة أستمروا في "تسليك" أمورهم واستمرت الفلاحة في الموت "الفطيس" والزحف مترحنة تائهة تبحث عن بر ترسو إليه. وكما رسم أديب نوبل والمخرج المبدع حسين كمال شخصية وزير شئون الكيف، وشخصه بمنتهى الحرفية الراحل عماد حمدي في الفيلم الخالد كأحد أهم شخوص الفيلم، يعيش وسطنا دون أن ندري من يقوم بوظيفة من الممكن أن يطلق عليها نفس المسمى، الشئون شديدة "الونونة" والطيران فوق سحاب الغيبوبة، يتنفس ويأكل ويشرب ويتعامل مع واقعنا بوجهين لنفس العملة الوجة الأول موجهه لجمعية المنتفيعن على "نهج الفلاحة ماتت ولازم نسلك نفسنا" والوجة الآخر مخصص للشعب بمنطق الحريص والخائف على الدولة والشعب صارخا فيهم ليل نهار دون كلل أول مللل "شد الحزام على وسط غيره مايفيدك". تدرك جمعية المنتفعين أن شد الشعب للحزام من شأنه الرفع من مستوى التسليك ومن عائداته؛ لذا اختارت بحرفيه شديدة وظيفة وزير شئون الكيف بصفته أهم عضو في فريقهم، يتحكم في محور الأداء، لا يقنع الشعب فقط بالخضوع والخنوع والطاعة بل يجعله مدمنا للطاعة والخنوع، يفعلها مستمتعا وسعيدا مهما كانت الظروف كالحة ومريرة، حمل الفيلم مشهدا مثيرا ضاجع فيه الممثلون الحضارة فوق أحد التماثيل الفرعونية، لخص خلاله المخرج حسين كمال كل تفاصيل انهيارنا وهبوطنا لأدنى الدرجات، وفي الواقع نمارس لعدة مرات يوميا نفس الرذيلة تحت رعاية شئون الكيف، سكوتنا وخنوعنا جهلنا وعدم وعينا يصل بكل المنتفعين لأعلي لحظات الشبق والمتعة. في الفيلم شخصية أستاذ أنيس نفس شخصية وزير الدولة لشئون الكيف طوال مشاهد الفيلم تقريبا باستثناء المشهد الأخير يعيش في غيبوبة إما أنه يسير في الشوارع يتحدث بصوت عال مع نفسه، أو يدخن " الجوزة" التي لا تفارق فمه، أما في الواقع ننتظر ظهور الأستاذ أنيس نتلهف لسماع جلجلت صرخاته مرددا "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا"، اختفاءه حتى الآن يجعلنا لا ندرك أننا نميتها يوميا، نسير في جنازتها نسارع إلى دفنها إلى مثواها الأخير ونعود من جديد لتكرار نفس ندور الأخطاء وندور حول أنفسنا في نفس الحلقة لنصل في النهاية إلى نقطة البداية ذاتها. احتاج حسين كمال في الفيلم إلى وصول الأستاذ "أنيس" للحظة الفوقان" ونوبة الصحيان المواكبة لزيارته للجبهة، ليدرك لحظتها مدى فداحة جرمهم، ليعي أنهم يقتلون الفلاحة يوميا، في الواقع الأستاذ أنيس شخصية منفصلة تماما عن وزير الدولة لشئون الكيف فقط علينا أن نفصل تأثير الكيف وشئونه عن الشعب لتكرر لحظة الفوقان مع الملايين وليخرج للحياة عشرات الملايين من الأستاذ " انيس" صوتهم وحده كاف جدا للقضاء على تأثير "وزير شئون الكيف ".