قرض «النقد» وضع الاقتصاد المصري تحت الوصاية الدولية 3 سنوات التعويم قرار «تغريق الجنيه» لمعالجة العرَض وليس المرض الرئيس يعتمد على «بورصجية» لا يعرفون التخطيط يمكن تحقيق 95 مليار جنيه فوائض من الصناديق الخاصة لخزانة الدولة السيسي كارثة.. وأتوقع ثورة المصريين ب«الحلل» فارغة ألفي شخص فقط يمتلكون مفاصل الاقتصاد.. ومصر معرضة للإفلاس 95% من رجال الأعمال سماسرة عقارات وصفقات تجارية تحالف الجنرالات مع رجال الأعمال عمّق جذور الفساد حوار: هاجر حمزة تعيش مصر ظروفا اقتصادية صعبة خلال الفترة الراهنة، أثرت على مناحي الحياة كافة، لكن تعامل الحكومة شابه الكثير من الغموض والتخبط أدى إلى تعميق الأزمة؛ فاتجهت إلى معالجة الفجوة بين السعر الرسمي للدولار في البنوك وسعره في السوق السوداء، بتحرير سعر صرف الجنيه وتركه للعرض والطلب، دون معالجة الأسباب الحقيقية لجفاف منابع الدولار المتمثلة في تراجع الاستثمار، ومرض السياحة، انخفاض عائدات قناة السويس، فضلا عن قلة تحويلات المصريين بالخارج. كما اتجهت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، راضخة لشروطه بتحرير سعر صرف العملة المحلية «الجنيه»، بالإضافة إلى تقليل الدعم عن المواد البترولية، وهي القرارات التي اتخذتها الحكومة بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، ما أدى إلى جنون الأسعار، لتثقل كاهل المواطنين البسطاء، من جانبها، التقت «البديل» بالدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي؛ للتعرف على رؤيته حول الأزمة الحالية وأثارها على المصريين.. وإلى نص الحوار.. كيف قرأت قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف وتأثيره على المواطنين؟ أطلق على تحرير سعر الصرف «تغريق الجنيه»، والقرار محاولة لعلاج العرض وليس المرض؛ لأن أصل المرض موجود في منطقة أخرى، حيث يوجد اختلالات هيكلية عميقة في الاقتصاد المصري ترتب عليها استيراد 65% من غذائنا، و70% من مستلزمات التشغيل للصناعة خارجية أيضا، وكل هذا الحجم من الواردات أدى إلى توسيع الفجوة في الميزان التجاري بين صادرتنا وواردتنا، فتحولت الفجوة من 8 مليارات دولار في سنة 1991 إلى 50 مليار دولار اليوم، ما يعد ضغطا على الاحتياطي المتاح لدى البنك المركزي، مع انخفاض الحصيلة الدولارية لمصر بسبب الحرب ضد الإرهاب وهبوط السياحة، كما أن سياسات السعودية أدت إلى تدمير سعر البترول، بالإضافة إلى عدم ثقة المصريين العاملين بالخارج في القيادة السياسية الراهنة، أدى إلى انخفاض تحويلاتهم. كيف ترى أزمة عجز الموازنة؟ بكل تأكيد، استمرار العجز في الموازنة العامة للدولة خلل عميق، لكن يمكن حله خلال سنة مالية؛ لو جرى إعادة بناء الموازنة عن طريق فرض نظام ضريبي عادل يُحصل الضرائب من الأغنياء ورجال المال والأعمال، لكن الدولة تفعل العكس؛ فالسيسي خفض الضرائب على أرباح الشركات إلى 22 %، فيما كان ينبغي أن تصل إلى 41% مثل الولاياتالمتحدة، بنفس الشعار الذي استخدمه مبارك ورجاله على مدار 30 عاما، وأدى إلى سرقة ونهب البلد، بحجة جذب المستثمرين، وللأسف نفس السياسات يتبعها النظام الحالي، وسوف تؤدي إلى تخريب البلد واستمرار التسول من دول الخليج أو مؤسسات التمويل الدولية. هل تقصد أن قرار تحرير سعر صرف الجنيه جاء دون دراسة أو تخطيط؟ بالفعل، كان هناك عدة قرارات واقعية وقابلة للتطبيق وإجراءات قصيرة ومتوسطة المدى بديلا عن قرض الصندوق، لكن الدولة تتعامل مع الأزمات بطريقة رد الفعل يوم بيوم، في ظل غياب تام للرؤية أو الاستراتيجية تجاه تشخيص المشكلات أو وضع خطط لحلها أو اختيار الأشخاص المناسبة لتنفيذها، فالرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته يعتمدون على "شلة" القوات المسلحة، والمحيطين بهم من مجموعة "البورصجية" المهتمين بالأوراق المالية والصفقات التجارية وليس لهم في التنمية أو التخطيط. أكدت أن التعويم قرار كارثي.. ما الإجراءات البديلة التي تراها واقعية؟ إجراءات قصيرة تتضمن أولا، إعادة النظر في النظام الضريبي الراهن الذي يفتقد للعدالة الاجتماعية؛ من خلال وضع نظام عادل، يُحصل على أرباح الشركات والدخول المرتفعة وتكون قيمته 35% وليس 22%، سوف يحقق للدولة ما بين 150 إلى 300 مليار جنيه سنويا، عبر حزمة إجراءات محددة، وفيما يتعلق بالدخول المرتفعة، توجد شريحة من كبار الأطباء والمكاتب الهندسية الضخمة، ومكاتب المحاسبة والمعلمين والمحامين، دخولهم السنوية تصل إلى 50 مليار جنيه، لكن الضرائب تحصل منهم على 400 مليون فقط، أي أقل من 1%؛ بسبب ثقافة التهرب التي يعتبرها بعضهم شطارة، بسبب غياب القانون الصارم، فضلا عن استثناء فئات معينة مثل القوات المسلحة والشرطة والقضاة من دفع الضرائب، ما يؤدي إلى تعميق الأزمة وزيادة الفساد. ثانيا، إعادة هيكلة قطاع البترول، ومحاسبة شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء؛ بسبب الفساد الذي شهده هذا القطاع وقتما كان معاونًا لوزير البترول الأسبق، سامح فهمي، وتطهير القطاع يؤدي إلى توفير 20 مليار جنيه سنويا للخزانة العامة، خاصة أن إدارته تحيزت للأجانب تحت بند دعم المستثمرين، فكل دولة تحصل على نسبة من كشف شركة للبترول أو الغاز يصل إلى 16%، ومصر كانت تحصل على 10%، وتم التضحية ب5% من الإنتاج مقابل رشاوى وعمولات حصل عليها قيادات قطاع البترول، على رأسهم الوزير وأعوانه. ثالثا، إعادة هيكلة قطاع الثروة المعدنية، المتروك لمافيا المقاولين، وأعلم جيدا أن ضباط كبار في القوات المسلحة الشرطة عملوا في هذا القطاع وأصبحوا من أصحاب الملايين. ما تأثير شروط قرض صندوق النقد على المواطنين؟ القرض وضع الاقتصاد المصري تحت الوصاية الدولية لمدة ثلاث سنوات، وستأتي مصائب كبرى؛ لأنه وفقا للاتفاق، يتم صرف ال12 مليار دولار على 3 سنوات بشرائح محددة، وقبل صرف أي شريحة، سيأتي موظفو «النقد» لمراجعة ما قدمته الدولة لاستيفاء شروط الصناديق، من سن قوانين، مثلا القيمة المضافة، والخدمة المدنية، ورفع أسعار المشتقات البترولية، كما حدث، وغيره من القرارات. ومن مصائب الصندوق، أن قوة تصويتية لدول مثل اليابانوالولاياتالمتحدة وإنجلترا تقف خلفه، وتوجه سياسات المقترضين وفقا لمتطلبات السوق الدولية التي يسيطرون عليها، وبالتالي ترتفع الأسعار في مصر بسبب سياسات الصندوق، دون زيادة الأجور بما يتناسب مع نظرائنا في أوروبا، ما يترتب عليه تدهور في ظروف المعيشة، حتى سقطت الطبقة الوسطى في هاوية الفقر، وفي المقابل، يمنح النظام مزايا ضريبية وأرضي بالمجان وتأمينات بالنيابة عن رجال الأعمال. الدولة تؤكد أن قرض الصندوق بمثابة شهادة دولية تبعث الاطمئنان للاستثمار والتنمية.. كيف ترى ذلك؟ أكاذيب ومحاولة لكسب الوقت، يمارسها رئيس الجمهورية الذى سبق وطلب من المصريين أن يصبروا في أول عامين لتصبح "مصر قد الدنيا"، لكن للأسف، حدث العكس، وأصبح اقتصادها تحت الوصاية الدولية، واليوم يستخدمون نفس الكذبة بوعود المصريين بنتائج القرض، لكن لن يكون سوى الخراب، فالسيسي كارثة على مصر مثلما كان الإخوان، وأتوقع مع استمراره خلال عامين مقبلين خروج المصريين بالحلل فارغة كما حدث في الارجنتين عام 2001. لكن الأرجنتين أعلنت إفلاسها؟ ومصر أيضا معرضة للإفلاس في ظل السياسات الاقتصادية التي يتبعها النظام الحالى، فلا يوجد أي إجراء يشير إلى أن النظام يسير في المسار الصحيح، بل في إطار ترميم سياسات مبارك والسادات اللذين تسببا في خراب البلد و"قعدوا على تلها"، حيث يمتلك حوالي ألفي شخص فقط كل مفاصل الاقتصاد، ولولا الحقبة النفطية التي دفعت أكثر من 20 مليون مصري بالذهاب إلى دول الخليج، لشهدت مصر عدة ثورات منذ 1974 حتى اليوم. يقول البعض أن الدولة تنجز مشروعات قومية عملاقة.. كيف ترى ذلك؟ هذه المشروعات تعبر عن عقل رجل مقاول وليس رئيس دولة يبحث عن التنمية، فالرئيس تحدث عن شق 7 آلاف كيلو متر طرق، وكأنه فتح عظيم، رغم أن مصر في عهد السادات ومبارك نفذت 25 ألف كيلو متر، ولذا نحتاج لمراجعة الأولويات التي تنفذها الحكومة على الإنفاق حاليا مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات الطرق، وتفريعة قناة السويس، التي لم تكن ضرورة على الإطلاق. وماذا عن الصناديق الخاصة؟ مهمة للغاية، وتحتاج إلى تطهير خلال عامين وفحصها بالكامل، خاصة أننا لا نعرف عددها بدقة حتى اليوم، فآخر معلومة تقول إنها بين 6 إلى 10 آلاف صندوق، بهم مخصصات مالية كبيرة، وتوفر فوائض مالية تصل إلى 95 مليار جنيه للخزانة العامة. كيف قرأت الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيسي وقراراته ال17؟ ينطبق عليها مثل "أول القصيدة كفر"؛ حيث ترجم المجلس قانون الاستثمار السيئ الذي أصدره الرئيس السيسي من قبل رقم 17 لسنة 2015، من خلال مجموعة قرارات تكشف عن تحيز مطلق لرجال الأعمال، فهم ليسوا رجال استثمار يسعون لتراكم صناعي وتنمية، بل 95% منهم سماسرة، يعملون في الأراضي والعقارات والأوراق المالية والصفقات التجارية والاستيراد فقط. ألّفت كتبا عديدة عن الفساد وجذوره في مصر.. كيف تراه؟ وصل لدرجة العمق حتى أصبح فسادا مقننا، نحن لسنا بصدد انحرافات واسعة النطاق، بل دولة ترعى الفساد؛ من خلال قوانين لحمايته، مثل قانون القطاع الخاص والضرائب وغيرها، بالإضافة إلى التحالف القوي، الذى نشأ في السبعينيات، بين كبار جنرالات الجيش ورجال الأعمال والطبقة الجديدة التي تشكلت مع المعونة الأمريكية، مع تواطؤ المؤسسة القضائية لحصولهم على بعض المزايا، فضلا عن فشل المؤسسة الجامعية واستخدام أساتذتها في مناصب ومواقع "كعصافير الكناريا"، يحصلون على المزايا. كيف تقيم أداء البرلمان مع الدور الثاني للانعقاد؟ منذ البداية وطريقة تشكيله أمنية، كشفت عن تغلغل أجهزة الأمن، سواء المخابرات الحربية أو العامة أو الأمن الوطني في القطاعات المدنية، وتشغيلها لعدد كبير من العملاء لم نكن نعرف عنهم شيئا، ومع ذلك، يضم البرلمان 50 شخصية وطنية تحاول التغيير، لكنهم غير قادرين على فرض أجندة تشريعية وطنية؛ لأن ما يجرى هو فرض أجندة التحالف الطبقي «الجنرالات ورجال الأعمال» على البرلمان، وكأن شعبية متوهمة لرئيس الجمهورية، وأتوقع أن يكون السيسي الرئيس الثالث الذي يدخل السجن خاصة بعد التنازل عن تيران وصنافير للسعودية. ما تقييمك لأداء حكومة شريف إسماعيل خاصة المجموعة الاقتصادية؟ سيئة، ومن نفس معين مبارك، من مجموعة الموظفين والبورصجية، بعضهم كان معاونا لكبار رموز الفساد في عهد الرئيس المخلوع، أبرزهم رئيس الوزراء شريف إسماعيل ثم وزير المالية.