ليس خافيًا على أحد أن أول زيارة قام بها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد توليه ولاية العهد (21 يونيو 2017م) كانت إلى الشقيقة مصر، وذلك في الفترة ما بين (4-6) مارس 2018م، وهو ما يعكس مكانة أرض الكنانة لدى القيادة السعودية الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله! كما لا يخفى كذلك أن الأمير محمد بن سلمان هو بحق مهندس العلاقة السعودية المصرية المتميزة خلال السنوات الماضية حيث تم خلالها التوقيع على عشرات الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، وهي العلاقات التي تُعد امتدادًا لعلاقات تاريخية وثيقة وراسخة عبر الزمن بين البلدين الشقيقين، ولا سيما بعد أن قام الأمير بزيارة ثانية إلى القاهرة خلال المدة ما بين (26-27) نوفمبر 2018م حيث التقى بأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي في تأكيد متجدد على قوة ومتانة العلاقات بين الدولتين الشقيقتين اللتين تمثلان بحق جناحيْ الأمة العربية الساعيتين لصيانة الأمن القومي العربي في عالم متغير يموج بالتحديات الإقليمية والدولية. وفي يوم 11 يونيو الجاري، جاءت الزيارة الثالثة لسموه كولي للعهد إلى مصر (وهي الزيارة السابعة في تاريخ زيارات سموه للقاهرة بشكل عام) حيث التقى في مدينة شرم الشيخ بأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقاء ودي أخوي يمكن وصفه ب "غير التقليدي" بما احتواه من ابتعاد عن البروتوكولات الرسمية المعتادة بين زعماء الدول. صور غير تقليدية يمكن تلخيص لقاء الزعيمين العربيين في شرم الشيخ في تلك الصور التي تم التقاطها لهما، وما تشي به لغة جسد كلٍ من ولي العهد السعودي والرئيس السيسي ابتداءً من الابتسامة الصادقة الصافية الخارجة من القلب بلا أي تكلف، مرورًا بالملابس البسيطة (الكاجوال) التي ارتداها الرئيس السيسي، وانتهاءً بطريقة الجلسة المتباسطة للزعيمين على طرفيْ نفس الأريكة. ولا شك أن تلك الصور - حتى ولو كانت من ناحية الشكل- ترسخ تلك العلاقة الأخوية المتينة بين الزعيمين الشقيقين من ناحية، ومن ناحية أخرى ترسخ القاعدة الصحفية الذهبية التي تقول بأن "الصورة خير من ألف كلمة". تغريدة الرئيس وتأكيدًا للشكل غير التقليدي لهذه اللقاء الأخوي، غرّد الرئيس عبد الفتاح السيسي على لقائه بالأمير محمد بن سلمان عبر حسابه على "تويتر" قائلا: "سعدت اليوم بلقاء أخي الأمير محمد بن سلمان.. وقد تركز لقاؤنا على بحث سُبل تطوير العلاقات المشتركة بين بلدينا، كما توافقت الرؤى بيننا حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك. وأؤكد اعتزازي الدائم بالعلاقات المتميزة التي تربط مصر والسعودية على المستويين الرسمي والشعبي". دلالاتان فضلا عن ترسيخ لقاء الزعيمين لمدى قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين البلدين، فإنه يُظهر كذلك مدى القوة الإقليمية الكبيرة للبلدين الشقيقين، بالإضافة إلى دلالتين مهمتين يجب الانتباه إليهما، وهما: أولًا- دلالة التوقيت، حيث يأتي اللقاء بعد مرور نحو عشر سنوات على ما سُمى بمشروع "الربيع العربي" الذي استهدف دول المنطقة، ولا سيما "محور الاعتدال العربي"، والذي واجهته مصر بقوة عبر صلابة شعبها وقوة جيشها الوطني في ثورة 30 يونيو 2013م، و بدعم من شقيقتها المملكة العربية السعودية. ثانيا- دلالة القوة الحالية للبلدين الشقيقين، إذا أنهما الآن في أوضاع سياسية، واقتصادية وعسكرية أكثر من ممتازة، وذلك رغم المحنة الضخمة التي خلفتها جائحة كورونا (كوفيد - 19) على الاقتصاد العالمي برمته. أبرز القضايا بحسب المراقبين، تناول اللقاء العديد من القضايا الملحة التي تهم البلدين الشقيقين، والتي تطابقت حولها رؤيتاهما، ومنها: تعزيز التعاون والتضامن العربى للوقوف صفا واحدًا أمام التحديات التي تواجه الأمة العربية، وإنهاء الأزمات التي يمر بها عدد من دول المنطقة، بما يساهم في استعادة الأمن والاستقرار بتلك الدول. ومن ذلك بالطبع موضوع سد النهضة الإثيوبي وخطره الكبير على الأمن المائي لدولتيْ المصب: مصر والسودان. وكذلك أهمية مجابهة كل محاولات التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، كما هو الحال في ليبيا الشقيقة التي تعاني من التدخلات التركية الفجة. وأيضًا قطع الطريق على المساعي التي تستهدف بث الفرقة والانقسام بين الأشقاء حفاظًا على الأمن القومى العربى باعتبار ذلك الضمان الوحيد لتحقيق أمن واستقرار الدول العربية. إضافة إلى تناول قضية مكافحة الإرهاب بما يستوجب المزيد من تنسيق الجهود وتكثيف التشاور بين كافة الأطراف المعنية على الساحة الدولية لصياغة إستراتيجية متكاملة لمواجهة تلك الظاهرة التي باتت تهدد العالم بأسره. كما تناول لقاء الزعيمين الشقيقين الشراكة الإستراتيجية البناءة بين البلدين في مختلف المجالات، سواء فيما يخص تعاون الأجهزة الحكومية أو القطاع الخاص في البلدين، لا سيما أن هذه العلاقات تشهد طفرة حقيقية على صعيد التنمية والاقتصاد والاستثمار والترفيه.
