بعد ستة وعشرين شهرًا من الاستهلاك الإعلامي لتقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية حول حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، يبدأ الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في البحث عن فوارغ طلقات رصاص سبق إطلاقها في الهواء ويحاول استخدامها للمرة الثانية في ابتزاز المملكة العربية السعودية، لتحقيق أهداف أخري لا صلة لها بحقوق المقتول التي تنازل عنها أولياء الدم ولا رابط بينها وبين حقوق الإنسان الموءودة تحت أقدام أدعياء الحق والعدل والحرية. في السادس عشر من نوفمبر للعام 2018، وبعد نحو ستة أسابيع من مقتل جمال خاشقجي، وقبل أن تنتهي التحريات والتحقيقات في القضية، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" ادعاءات قيل إنها خلاصة ما توصلت إليه الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في القضية، وقالت الصحيفة: إن وكالة الاستخبارات المركزية خلصت إلي "أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أمر باغتيال الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول"، وذكرت الصحيفة أن مصدر هذه المزاعم "أشخاص مطلعون علي المسألة" واستنتاجات وتقييم الاستخبارات المركزية لخبايا القضية!! وقالت "واشنطن بوست": إن وكالة الاستخبارات بحثت "في مصادر استخباراتية متعددة من أجل التوصل لهذه الاستنتاجات، بما في ذلك مكالمة هاتفية أجراها شقيق ولي العهد السفير السعودي لدي الولاياتالمتحدة الأمير خالد بن سلمان مع خاشقجي"، وأضافت: "خالد كان أخبر خاشقجي، الذي كان كاتب أعمدة مُساهم في صحيفة (واشنطن بوست)، أنه يجب عليه الذهاب إلي القنصلية السعودية في إسطنبول من أجل استلام الوثائق ومَنَحَه ضمانات بأمانه إن فعل ذلك"، وتابعت: "ليس من الواضح ما إذا كان خالد يعلم أنّ خاشقجي سيُقتل، لكنه أجري المكالمة التي اعترضتها الاستخبارات الأمريكية بتوجيه من أخيه، بحسب الأشخاص المطلعين علي المكالمة". ونقلت الصحيفة الأمريكية في تقريرها تصريحات المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن فاطمة سالم باعشن، التي أكدت أن السفير وخاشقجي "لم يناقشا أبدًا أي شيء يتعلق بالذهاب إلي تركيا"، وأوضحت المتحدثة السعودية "أنّ الادعاءات الواردة في تقييم (سي آي إيه) غير صحيحة، وقالت: "لدينا نظريات مختلفة ولا نزال نسمع غيرها دون أن نري أساسًا لهذه التكهنات". وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقريرها المنشور بتاريخ السادس عشر من نوفمير للعام 2018، أن المعلومات التي جمعتها وكالة الاستخبارات الأمريكية كان بينها "تسجيل صوتي من جهاز استماع زرعه الأتراك داخل القنصلية السعودية، بحسب الأشخاص المطلعين علي المسألة، وأعطي الأتراك الوكالة نسخة من هذا التسجيل الذي استمعت له مديرة الوكالة جينا هاسبل، وأضافت الصحيفة: "ويبيِّن التسجيل أنّ خاشقجي قد قُتِل بعد لحظات من دخوله إلي القنصلية، وفقًا لمسئولين في بلدان متعددة استمعوا له أو أُطلِعوا علي محتوياته"، وأشارت الصحيفة إلي أن وكالة "سي آي إيه" فحصت مكالمة أجراها عضو مزعوم في فريق الاغتيال السعودي يُدعي ماهر المطرب من داخل القنصلية بعد عملية القتل"، و زعمت أن ماهر المطرب اتصل بسعود القحطاني، الذي كان آنذاك أحد كبار مساعدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأبلغه أن العملية قد تمت". ويبدو من تقرير الاستخبارات الأمريكية القديم الجديد والمستهلك إعلاميًا أنه يتحدث عن كل ما يوافق الأهواء من تكهنات واستنتاجات وافتراضات وتوقعات، لكنه يتوقف عاجزًا عن الإجابة علي التساؤلات الحائرة حول جثمان جمال خاشقجي المفقود، وقد أكدت صحيفة "واشنطن بوست" أن الرئيس ترامب "سأل مسئولي "سي آي إيه" ووزارة الخارجية الأمريكية عن مكان جثة خاشقجي وقد شعر بالإحباط من عدم تمكنهم من تقديم إجابة".. والواقع يقول إنهم لن يقدموا أي إجابة عن السؤال الحائر!! وتؤكد صحيفة "واشنطن بوست" في تقريرها حول تكهنات الاستخبارات الأمريكية أن "الولاياتالمتحدة حصلت علي معلومات استخباراتية قبل وفاة خاشقجي تشير إلي أنّه قد يكون مُعرضًا للخطر، ولكن لم تبدأ وكالة الاستخبارات في البحث عن سجلات الاتصالات المُعترَضة إلا بعد اختفائه" وزعمت الوكالة أنها اكتشفت مواد تشير إلي أن السعودية كانت تسعي لجذب خاشقجي إلي الرياض، ولكنها لم تكن علي علم بها قبل اختفائه. وبعد الاستهلاك الإعلامي لتقرير التكهنات الصادر عن الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبعد تنازل أولياء الدم وإغلاق ملف القضية في المملكة العربية السعودية بإصدار أحكام نهائية، جاء "بايدن" إلي سدة الحكم وبدأت وسائل الإعلام الأمريكية في التهديد والوعيد بما سوف يتضمنه تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل خاشقجي، وتكرر نشر الأخبار حول اعتزام الرئيس "بايدن" الاتصال بالملك سلمان بعد اطلاعه علي تقرير مقتل خاشقجي.. وتم التمهيد المكثف إعلاميًا للتقرير المرتقب.. ولكن تمخض الجبل فولد فأرًا ميتًا، وأعلنت الولاياتالمتحدة، يوم الجمعة السادس والعشرين من فبراير 2021 عن التقرير المُهترئ الذي زعم " أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق علي عملية اعتقال أو قتل خاشقجي"، وكان التقرير الجديد هو ذات محتوي التقرير القديم المستهلك إعلاميًا والمنشور في صحيفة "واشنطن بوست" في السادس عشر من نوفمبر من العام 2018، والذي تكرر نشره في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، ولم يتضمن التقرير القديم الجديد أي دليل، ولا يحوي أي معلومات موثقة أو غير موثقة، واعترفت الإدارة الأمريكية أن التقرير وُضع بناء علي تقييم استخباراتي"، وبدا واضحًا للجميع أنه يعتمد في مكوناته علي مجموعة من التكهنات والاستنتاجات والافتراضات بلا دليل واضح. وإذا أردنا أن نمنح العقول والبصائر عطلة مؤقتة لدقائق، وافترضنا جدلًا صحة ما ورد في تقرير الاستخبارات الأمريكية المستهلك إعلاميًا فسوف نجد أمامنا اتهامات تستوجب محاكمة مسئولين بالولاياتالمتحدة في وقائع التستر علي جريمة اختطاف الصحفي جمال خاشقجي التي انتهت بمقتله، والتي كانوا علي دراية وعلم بها، والامتناع عمدًا مع سبق الإصرار والترصد عن توجيه تحذيرات للسلطات التركية من الخطر المُحقق الذي يهدد حياة مواطن سعودي فور دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول، ومن ثم يصبح عدد من المسئولين في الولاياتالمتحدة شركاء في الجريمة بالتستر وإفساح الطريق أمام الجناة لتنفيذ جريمتهم.