تعتبر شركة الحديد والصلب التي أنشأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أقدم شركة لإنتاج الحديد في مصر، وأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في الوطن العربي، لعبت دورًا هامًّا في بناء السد العالي وحائط الصواريخ أثناء حربي الاستنزاف وأكتوبر، وزوّدت السوق المصرية بمنتجات الحديد والصلب بنوعية جيدة، وبأسعار مدعومة ومنافسة لسنوات طويلة . ووصلت كمية الإنتاج في أعوام عديدة إلى 1.5 مليون طن سنويًا شملت القضبان ومستلزمات السكك الحديدية، والجسور، والأنفاق، وأنابيب البترول، والصناعات التحويلية وغيرها، وتميزت الشركة عن غيرها من الشركات الأخرى في مصر بعدم اعتمادها على استيراد الخردة، بل على خام الحديد من محاجر الواحات، وتميزت أيضًا بوجود 7500 عامل وفني ومهندس من أصحاب الخبرات الكبيرة في مجال إنتاج الصلب في الوطن العربي . ورغم التشجيع والدعم المستمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي للصناعة الوطنية، وإنفاقه السخي على مشروعات وطنية، وسياحية، وعقارية عديدة.. فوجئ الكثيرون في مصر والوطن العربي بقرار الجمعية العمومية غير العادية بتصفية الشركة، والمجمع العريق، بدعوى تدهور وتدني المؤشرات المالية والإنتاجية والاقتصادية، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات تجاه الغير، وتزايد الخسائر والديون المتراكمة، ووصولها إلى نحو 9 مليارات جنيه . وقد جاء قرار التصفية بمثابة السهم الذي أصاب قلوب الوطنيين في مصر، لما يترتب عليه من تداعيات وخسائر اقتصادية، ووطنية، واجتماعية وخيمة، تمتد آثارها لسنوات طويلة.. لعل أهمها: - فقدان نحو 7500 عامل وفني ومهندس من ذوي الخبرات الكبيرة والنادرة في مجال إنتاج الصلب لوظائفهم، وما يترتب عليه من تردي وسوء الأحوال المعيشية لهم، ولأسرهم . - إن صناعة الحديد والصلب ليست صناعة شرائط كاسيت، أو لمبات جاز، تجاوزها الزمن، ولم يعد العالم يستخدم منتجاتها، بل هي صناعة وطنية استراتيجية تحرص المجتمعات المتقدمة والنامية على امتلاكها والحفاظ عليها بكل الطرق... وعليه فإن قرار التصفية يعني تراجع القيمة المضافة المحلية المصرية في صناعة الحديد والصلب التي تدخل منتجاتها في مختلف مراحل البناء والتسليح والإنتاج والتجهيز والنقل وغيرها . - يترتب على قرار التصفية لهذا المجمع العملاق، تعزيز احتكار مصانع وتجار القطاع الخاص لتلك الصناعة الاستراتيجية.. وهنا تجدر الإشارة إلى دراسة لبنك الاستثمار القومي في 2017، حذرت من ضعف التنافسية في ظل احتكار "شركة حديد عز" الخاصة لنحو 50% من إنتاج الحديد في مصر . - لا شك في أن قرار التصفية لهذا الصرح العملاق، يعني الالتجاء أكثر فأكثر إلى الاستيراد من السوق العالمية بمئات الملايين من الدولارات سنويًا . ورغم هذا الضرر الاقتصادي والاجتماعي والقومي، يصر وزير قطاع الأعمال العام على تصفية الشركة وبيع أراضيها المتمثلة في 790 فدانًا بمنطقة التبين (مقر الشركة)، إلى جانب 45 فدانًا مشتراة بنفس المنطقة، و654 فدانًا بمنطقة الواحات البحرية (غرب)، و19 ألف متر تمثل محاجر الشركة بمحافظة السويس (شرق).. ويرفض الوزير كل المقترحات، والبدائل التي طرحها خبراء صناعة وطنيون وبرلمانيون وغيرهم، لإعادة تشغيل الشركة وتطويرها، وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل مَن المستفيدون من قرار التصفية؟ في رأيي أن السبب الرئيس لتصفية الشركة هو الرغبة في الحصول على أراضيها الضخمة، مثلما حدث سابقًا مع شركات حكومية عملاقة، جرى تحويلها من النشاط الصناعي إلى النشاط العقاري، منها شركة كفر الدوار للغزل والنسيج، ومصنع السماد بالمنصورة، كما لا أستبعد أن يكون وراء القرار المستفيدون من تجار الحديد المستورد من تركيا وأوكرانيا والصين الذين يحققون أرباحًا هائلةً، ومن أصحاب المصانع الخاصة لإنتاج الصلب الذين يسعون إلى احتكار هذه السلعة الاستراتيجية، وفرض أسعارهم أكثر من أي وقت مضى . ما يتم في قضية الحديد والصلب أمر شديد الخطورة، لا يحقق أي مصلحة وطنية على المدى الطويل، فهو صفقة مشبوهة، وكارثية سندفع ثمنها لسنوات طويلة .