أصدر الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان،قرارا بتعيين السيد صلاح عمار واليا لولاية كسلا شرق السودان،وذلك ضمن مطالب الثورة بتعيين ولاة مدنيين بدلا من الولاة العسكريين،الذين يعتبرهم ثوار السودان من أتباع الرئيس السابق عمر البشير، قرار حمدوك، لقي منذ اليوم الأول احتجاجات عنيفة من قبائل الهدندوة والنوبة في كسلا التي لا ينتمي إليها عمار،ولما استمرت الاحتجاجات ثلاثة أشهر ولم تتوقف، قام رئيس الوزراء بإقالة الوالي صلاح عمار،فثارت قبيلته البني عامر،وقتل الأسبوع الماضي ثمانية أشخاص احتجاجا على إقالة عمار ولم تتوقف أعمال الفوضى والقتل إلا بعد تدخل الجيش والشرطة وإعلان حالة الطوارئ بالولاية،يحدث ذلك بعد مرور أكثر من عام علي إسقاط نظام البشير،الذي استمر يحكم ثلاثين عاما،وهكذا يبدو أن تغيير أنظمة الحكم في السودان أسهل بكثير من تغيير مفاهيم الشعب عن القبيلة والدولة. السودان الذي سبق شعوب العرب بثورة شعبية عارمة عام 1964 أسقط فيها الجنرال عبود وأشعل ثورة ثانية عام 1985وأسقط فيها نظام جعفر نميري، ثم قام بثورته الشعبية الثالثة وأسقط البشير في أبريل 2019، لم يتقدم خطوة واحدة من مربع القبيلة إلى مربع الدولة، ولا يبدو أن ثوراته ستأخذه إلى مفاهيم الحداثة التي تؤمن بحق الإدارة في اختيار ابن الكفاءة وليس ابن القبيلة. شرق السودان تمثله ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر وبه الميناء الرئيسي بالبلاد وهو ميناء بور سودان، وله تداخل قبلي مع إريتريا، مما يجعله منطقة تجاذب إقليمي ودولي. ويرى عدد من المراقبين، أن أحداث الشرق تنذر بتفجير السودان ككل وليس الشرق فقط؛ لأن منطقة القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر والهجرة غير الشرعية وتجارة الأعضاء وتجارة السلاح والمخدرات، كل هذا ينطلق من هذه المنطقة الحيوية . وكان الفريق محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، قد أكد أن الحل سيكون بالجلوس مع النظار القبائل وقيادات الإدارة الأهلية بالشرق لوضع حد لحالة الفوضى بالولاية، ولكن إسناد موقع الوالي لأي قبيلة ، سوف يشعل على الفور غضب القبائل الأخرى، الأمر الذي يتطلب وقف نظام المحاصصة القبلية والحزبية الذي جاءت به حكومة حمدوك، وقسمت البلاد بين الجغرافيا والقبيلة. السودان وبعد مرور أكثر من عام على ثورته لم ينجح إذا في خلق مشروع وطني يلتف حوله الشعب ولم تنجح حكومته في إنهاء أزماته الحياتية من نقص الخبز وانهيار الجنيه وارتفاع معدلات التضخم وانهيار مرافق المياه والكهرباء والصحة والتعليم،وكان طبيعيا أن يرتد إلى التمحور خلف القبيلة وليس خلف الدولة، وهو ما يعني نشوء حروب قبلية أخرى،تمهد حتما لتدخل دولي ينتظر الانقضاض على ثروات البلاد المهدرة بصراع القبيلة وبدماء القبيلة.