عندما تحل ذكرى ثورة يوليو نتذكر مشروعها الوطني، وتحريرها لمصر وللعالم العربى وإفريقيا، وإسهاماتها فى تحرير دول العالم الثالث من الاستعمار القديم. -عند قيام الثورة كان الهاجس الأول عند جمال عبدالناصر هو القاعدة البريطانية فى قناة السويس، التى بها أكثر من85 ألف جندي، مزودين بأحدث الأسلحة، وهى أكبر أربعة أضعاف من حجم الجيش المصري، وتستطيع أن تتحرك إلى القاهرة وتغير نظام الحكم فى أى لحظة، ولكن الثورة استطاعت دفع بريطانيا للانسحاب من مصر وتوقيع إتفاقية الجلاء عام 1954، لتحصل على استقلالها. -كان المجتمع يتألف من نخبة لا تتجاوز ال1 ٪ من السكان، تمتلك مايزيد على 95 بالمائة من الثروة، لدرجة أن أحد اللوردات البريطانيين المقيمين فى مصر، واسمه سير ماكنرى والاس، راح يصور حال المصريين فى تلك الفترة فى كتابه(مصر والمسألة المصرية)تحدث عن المشاهد البائسة لأوضاع المصريين.. كانت القرية التى لا تستطيع سداد الضرائب، التى ارتفعت بأكثر من الضعف، يدفع عنها الخديوى الضرائب مقابل امتلاكه لثلاثة أرباع الأرض، وكتب أنه كان يشاهد مدير المديرية ومأمور البوليس يعلقان الفلاحين ويجلدانهم فى حضور المرابى الأوربي، ولايتوقف الجلد إلا بالدفع أو قبول رهن الأرض له ليسدد عن الفلاحين، ويحصل على فوائد مرتفعة للغاية. -هناك نغمة راح يرددها البعض خلال السنوات الماضية وهى أن مصر كانت دولة غنية، هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فعامة الشعب فى قرى مصر كانوا حفاة، كانت القرى المصرية، سواء فى الوجه البحرى أو الصعيد تعيش فى فقر مدقع، حتى تناول اللحوم عند العامة لم يكن يحدث إلا فى عيد الأضحي. -كانت الثروة مركزة فى يد نحو 26 أسرة، ولم تكن هناك طبقة متوسطة، لذا كانت أولى معارك الثورة تمصير مصر التى كان أهلها أشبه بالغرباء فيها. -وصلت الأمية قبل الثورة إلى معدلات مخيفة، حيث تجاوزت نسبة 80 بالمائة، وكان عدد سكان مصر فى ذلك الوقت 21 مليون نسمة، عدد الأميين منهم 18 مليون نسمة، أما بعد الثورة، فكانت مصر تبنى مدرسة واحدة يوميا وحتى منتصف السبعينيات، وعند رحيل عبدالناصر انخفضت الأمية لأكثر من 40 بالمائة. -قبل ثورة يوليو لم يكن للدولة المصرية شأن يذكر على المستوى الدولي، وبعد الثورة تحرر القرار السياسى المصري، وحضرت قمة باندونج، وقادت هى والهند ويوغوسلافيا أكبر عملية استنهاض لدول العالم الثالث، بتأسيس حركة عدم الانحياز التى شكلت تكتلا قويا للغاية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووجهت القرارات الدولية وفقا لرؤيتها خلال عقدى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث كانت أكثر من 100 دولة تنتظر لترى أين ستصوت مصر لتصوت معها. -فى المحيط العربى أيدت مصر الثورات العربية ضد الاستعمار، وكانت أهمها ثورة الجزائر، وكانت إذاعة صوت العرب هى المحطة التى تجمع من حولها العرب من المحيط إلى الخليج، كما ناصرت مصر العديد من الثورات العربية والافريقية وعقدت أول وحدة فى التاريخ الحديث مع سوريا في22فبراير 1958. ختاما نقول: إن ثورة يوليو غيرت الكثير من الأوضاع على الساحتين الدولية والإقليمية، وأثبتت أن التغيير الدولى ممكن، وأن انتزاع الحقوق على الساحة الدولية قد يكون صعبا، لكنه ليس مستحيلا، وأكدت أن حقوق الدول لا تمنح، بل تنتزع انتزاعا.