لاحظت نماذج عديدة لفتيات ينتمين لأسر محترمة، وحققن قدرا معقولا من النجاح فى الدراسة والعمل، وحينما يحين موعد الارتباط العاطفي تختار شابا أقل ما يقال عنه أنه فاشل من جميع النواحي، قد يكون متعثر دراسيا، عاطلا، متعاطيا للمخدرات، شاربا للخمر، مرتكبا للكثير من الموبقات، ورغم ذلك تقنع نفسها أنها تحبه، وأن إعادته للطريق القويم هى مسئوليتها!! ولا أفهم السر فى ذلك، هل هى روح الأمومة الرابضة فى قلب كل أنثى تجعلها تتخيل أن رسالتها السامية هى إنقاذه؟! وتبدأ الفتاة بمساعدته ودعمه معنويا وماديا، تدرس معه ان كان طالبا، تبحث له عن عمل، وقد تتوسط له لدى معارفها، تحاول ابعاده عما يتعاطاه وتنفق ما تستطيع فى سبيل علاجه، وتحاول دمجه مع مجتمعها لانتشاله من براثن أصحاب السوء.. الخ وتعتقد أنه يقدر ما تفعل من أجله. وتستيقظ من الاحساس الوهمي، لتكتشف انها ضحية مسكينة وليست بطلة خارقة، إما لأنه لا يستجيب لمحاولات اصلاحه، أو لأنه يخدعها ويستغل مشاعرها ويستنزفها ماديا ووجدانيا،. وأحيانا - فى حالة نجاحها في انقاذه من المصير المظلم- ينكر ما بذلته من جهد ومال، ويعلن انتهاء دورها بالنسبة له، فيسعى للارتباط بأخرى لا تعرف مسيرته الشائنة. وهنا تجد الفتاة نفسها قد أضاعت سنوات من عمرها بلا طائل، وأراقت مشاعرها سدى، وأنفقت ما لديها على من لا يستحق، ولم تحصد إلا خيبة الأمل وفقدان الثقة فى نفسها ومن حولها، لتتجرع المرارة من كأس التضحية!! ومما يزيد من آلامها لوم المجتمع لها، فالمجتمع الذى نشأ أفراده على قيمة تفضيل الذكر، والتسامح معه فى كل ما يرتكبه من سوء، ينتفض مهاجما لها بكل قسوة، منتقدا كل ما فعلت، مستهينا بدوافعها العاطفية، ومستنكرا تجاهلها نداء العقل واندفاعها وراء مشاعرها دون تقدير العواقب بشكل صحيح!! نعم إن المجتمع يلوم الفتاة على كل شئ نبيل فعلته من أجل من ظنته حبيبا، لكنه لا يوجه غضبه هذا للشاب المخادع إلا قليلا، فالفتاة هى المذنبة فى نظر المجتمع، فكيف تنخدع به؟! وتنساق وراء ما رأته واجبا عليها؟! فالشاب من وجهة نظر المجتمع لم يجبرها على بذل التضحيات، بل هى من اختارت ذلك الدرب!! واذا تبادلا الأدوار، وهذا نادرا ما يحدث، فيقدم شاب ما لديه لانقاذ فتاته من طريق خاطئ، ثم تتنكر الفتاة لما فعله، صب المجتمع اللعنات على رأسها، واتهمها بالخداع والانتهازية والخيانة والغدر وسوء الأخلاق وكل صفة ذميمة!! إنه مجتمع يجلد الضحية الأنثى بسوط المنطق الملتوي، ويصنع من الذكر المخادع بريئا !! وويل للفتاة فى مجتمع يكيل الأمور بمعيارين بلا عدل.