انتهى شهر رمضان واضعا كلمة النهاية على تترات الأعمال الدرامية، وقد آثرت التريث فى إبداء رأيى لحين انتهاء أحداثها. فى البداية أؤكد أننى لست ناقدة فنية متخصصة، لكننى مشاهدة متذوقة للفن، تؤهلنى دراستى الاجتماعية والاعلامية لبحث وتحليل مضمون العمل الفنى، وتأثيره فى المجتمع. من هذا المنطلق أتناول مسلسل (ولد الغلابة)، الذى أوحى فى بدايته بصراع محتد بين الخير ممثلا فى الأستاذ عيسى مدرس التاريخ ومعلم الأجيال الفاضل، والشر الذى يمثله ضاحى الكيال تاجر المخدرات، ثم انقلبت الأمور رأسا على عقب، بانضمام عيسى مضطرا إلى ركاب ضاحي، وتوالت الأحداث. لن انتقد سذاجة بعض المشاهد، كتعبئة المخدرات فى عشرات من أجولة الخيش، وتحميلها على سيارة نقل مكشوفة، والتحرك بها بكل أريحية، وزجر البطل لشريكته حينما استنكرت هذا، ولن أتساءل عن منطقية امتلاك تاجر مخدرات لهذه الكميات الهائلة، وطريقة تخزينها، والمجازفة بنقلها على هذا النحو!! لكنى أتساءل عن المبرر الذى يمنع مواطنا شريفا – عثر بالصدفة على مخدرات مخبأة بالمدرسة – من ابلاغ الشرطة!! وعن كيفية تمكنه من بيعها فورا لتجار آخرين؟! هذا بخلاف مشاهد القتل والتخلص من الجثث بكل يسر، والألفاظ النابية التى توجهها فرح بلا مبرر لضرتها كلما جمعهما كادر واحد!! وما يثير الاستفزاز حقا هو ما يحمله المسلسل من رسائل ضمنية، مفادها أن الاستقامة والعمل الحلال سيجعلك فقيرا معدما؛ لكن الاتجار بالمخدرات سيأتيك بالغنى السريع الفاحش، والأمر لا يستلزم إلا التحلى بروح القتل للتخلص من كل من يعارضك، وبعض المكونات مثل بودرة الصراصير والاسيتون.. لصنع مخدر يخدع عتاة التجار!! وبعد ذلك تستمتع بحياتك، تتزوج، تمتلك قصرا فاخرا، وملايين الجنيهات لكنك ستضطر للتضحية بجزء منها فى دورة غسيل الأموال!! كما يمكنك ان تمارس هوايتك، مثلما فعل عيسى حينما اشترى مدرسة ليزاول مهنته!! فهل هذه هى القيم التى يرغب صناع الدراما فى تمريرها للمشاهد؟ ثلاثون حلقة والشر يتمدد، يخدع الأبرياء، يجتذب مزيدا من الضحايا، ينتصر وينجو، ويظل الخير ذليلا منكمشا متواريا!! ثم تسقط الاقنعة، وينال كل مجرم عقابه فى الدقائق الأخيرة، وكأن هذا كاف لمحو القيم المغلوطة السلبية التى غرست فى ذهن المتلقى طوال الحلقات!!