فى هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الكريم، يتبارى الخيرون فى إخراج ما لديهم من تبرعات وصدقات للفقراء والمحرومين..ولقد حبب الإسلام الحنيف إلى الأغنياء التصدق على الفقراء والمساكين، وجعل هذ التصدق من أكبر القربات، وأعظمها أجرا، وجعل اكتناز الأموال وعدم إنفاقها فى سبيل الله من كبار المعاصي، وتوعد المكتنزين بأشد العقوبة يوم القيامة، والآيات القرآنية التى وردت فى ذلك كثيرة، ولا تكاد تخلو منها سورة من سُوَر القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفِى الرقاب»..(آية 177 من سورة البقرة)..وقوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، والكافرون هم الظالمون»..(الآية 215 من سورة البقرة).. وقوله تعالى: «والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ماكنتم تكنزون»..( الآيتان 34و35من سورة التوبة). وتدل بعض آيات القرآن على أن الإسلام لا ينظر إلى هذا النوع من الإنفاق على أنه إحسان وتصدق، بل على أنه حق للفقراء فى مال الأغنياء.. وهو ما ورد فى الآيتين 24و25 من سورة المعارج فى قوله تعالى: «والذين فى أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم»..وقوله تعالى: «فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون».. فوصف هذا النوع من الإنفاق فى هذه الآيات بأنه حق للفقراء، لامجرد إحسان من الأغنياء..فالكثير من آيات القرآن الكريم يدل على أن الإسلام ينظر إلى التملك على أنه مجرد وظيفة يقوم بها صاحبها بإنفاق المال على مستحقيه، وينظر إلى المالك على أنه مستخلف على ثروته من قبل الله لإنفاقها فى سبيله، وفِى هذا يقول الله تعالى: »آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير»..(الآية 7 من سورة الحديد). لقد حبب الإسلام إلى الأغنياء أن ينفقوا الفضل من أموالهم فى سبيل الله والصالح العام وسد حاجات المعوزين.. وليس معنى هذا أن الإسلام يحبب إلى الأغنياء أن ينسلخوا من جميع ما يمتلكون ويقدموه صدقة للفقراء والمساكين، بل يوجب على الفرد أن يبقى من أمواله مايكفى لحاجته وحاجة من يعولهم، وكل ما يحبب فيه الإسلام هو إنفاق مازاد عن هذا القدر وما لا يؤدى إنفاقه إلى اضطراب ما، فى حاضر حياتهم، ومستقبلها.