انتصر السودان بإزاحة نظام الإنقاذ ووضع البشير ورجاله فى سجن كوبر الشهير وتحدث ميدان وشارع القيادة العامة بلغات ولهجات، تعكس كل أبناء السودان، شرقه وغربه، شماله وجنوبه وشهد السودان تجمع قوى التغيير والحرية وتجمع المهنيين وتجمعات للمرأة وللشباب وفتحت الشهية السياسية للشعب السودانى لعشرات ومئات التشكيلات والتجمعات المختلفة. ربما كان ذلك نتاجا طبيعيا لأى ثورة شعبية ولكنه عند ابناء السودان العاشقين للسياسة، مضاعف ومكثف. ولأن التنوع السودانى يجمع أكثر من سبعين قبيلة وأكثر من عرقبة، عربية وأفريقية ويشهد حروبًا فى شماله وغربه وتوترًا فى شرقه وجنوبه ولأن هناك أكثر من ذلك بكثير، فإن مهددات كبيرة وخطيرة للشعب وثورته، بدأت تطفو على السطح وتهدد بجرف كل هذه المنجزات إلى الصحراء والعدم، والتيه والخراب. وأول هذه المهددات، هو انعدام الثقة بين الذين يقودون الميدان والمجلس العربى الذى يقود البلاد الآن وبين قيادة الميدان وقادة الأحزاب بكافة تشكيلاتها، من شارك منها فى السلطة وهم ليسوا بالقلة يتجاوز عددهم الثلاثين حزبا والأحزاب التقليدية الكبرى وأبرزها، الأمة بزعامة الصادق المهدى والاتحادى بزعامة المرغني، إضافة إلى الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية كأحزاب المؤتمر الشعبى والإصلاح الآن، ومن يسيطر على الميدان يرى فى المجلس العسكرى امتدادا للبشير وفى نفس الوقت يطالب بحماية ثورته، كما إنهم يستبعدون كافة الأحزاب ماعدا الشيوعى من المشاركة فى السلطة القادمة، وإن كان استبعاد حزب المؤتمر الوطنى الحاكم سابقا، مطلبا منطقيا للثورة إلا أن استبعاد كافة الأحزاب التقليدية يصل بنا إلى نفس المربع السابق للثورة والذى كان يستبعد المعارضين له من المشاركة وبالضرورة سوف تحرك هذه الجماهير قواعدها احتجاجا على إقصائها. والمهدد الثانى والخطير هو ما يسمى بمطالب أهل الهامش وهم أطراف السودان من جبال النوبة فى الشمال وأبناء دارفور فى الغرب والبجا فى الشرق والنوبة فى الجنوب وقد ظهرت مطالب علنية لكل طرف بتشكيل الحكومة من فئته بحجة تعرضه للتهميش خلال حكم الإنقاذ. المهدد الثالث هو بقاء التشكيلات العسكرية فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، على جهوزيتها العسكرية وعدم حلها وتحولها إلى أحزاب مدنية للمشاركة فى السلطة وهو ما يعنى احتمال انقضاضها على الثورة والبلاد ومحاولة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، خاصة بعد تحرك عناصرها وقياداتها بحرية فى الخرطوم وجميع المدن السودانية. المهدد الرابع والأكثر خطورة هو استغلال القوى الدولية لهذا التناقض والتهافت على السلطة لتغذيته والوقوف خلفه بالمال والإعلام والمعلومات والاستخبارات، ثم المؤامرات والقتل بالاسلحة الحديثة وممارسة أبشع أنواع التضليل، بتوزيع هذه الجرائم بالتساوى على الجميع حتى يتقاتل الجميع، تمهيدا لتحقيق الهدف ويتم شطب اسم السودان من الخارطة الكونية. ويبقى أن ما يحدث فى السودان هو فى صميم الأمن القومى المصرى لأن لعبة جلب القوى الكبرى إلى حدود مصر الغربية فى ليبيا والجنوبية فى السودان، تبدو شديدة الوضوح الآن.